كشف وزير العدل، حافظ الأختام الطيب لوح عن التحضير لتعديل تشريعي لإنشاء أربع جهات قضائية استئنافية وفقا لما هو متبع في الأنظمة التي تتبع النظام القضائي المزدوج، فضلا عن استكمال 48 محكمة إدارية لتغطية القطر الوطني خلال سنة 2018. و في كلمة له بمناسبة انعقاد الدورة العادية الثانية للمجلس الأعلى للقضاء، الخميس الماضي، استعرض السيد لوح أهم المشاريع التي عكف قطاعه على تحقيقها على أكثر من صعيد حيث أوضح أنه و في مجال مرحلة الاصلاحات المتعلقة بالقضاء الإداري، يجري التحضير لتعديل تشريعي من أجل إنشاء أربع جهات قضائية استئنافية، وفقا للمعايير المتعارف عليها في الأنظمة القضائية التي تتبع النظام القضائي المزدوج، كما هو الشأن في النظام القضائي الجزائري. أما في مجال رقابة القضاء على أعمال الإدارة، فقد تم فتح 42 محكمة إدارية على المستوى الوطني، كما من المرتقب فتح المحاكم الإدارية الستة المتبقية خلال 2018، ليصبح المجموع 48 محكمة إدارية بعدد ولايات القطر، و هي الخطوة التي تأتي وفقا لتعليمات رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء. و أكد السيد لوح أن التطور الذي عرفه قطاع العدالة في الميادين البشرية والقانونية والهيكلية وفي مجالات التحديث وعصرنة وسائل العمل، هي جميعها من مشتملات الإصلاح، مذكرا بما تم في هذا الإطار من تزويد كل الولايات بمجالس القضائية، بعد أن كانت بعض الولايات، خاصة بالجنوب والهضاب العليا تفتقر و لسنوات عديدة إلى هذه الهياكل. و اعتبر وزير العدل أنه أصبح بالإمكان اليوم الحديث عن "نخبة قضائية قادرة على أن تحقق الأهداف المرسومة على الصعيد القضائي" كما يمكنها أن تشكل "الرافعة لإنجاز المهام الدستورية الأخرى الضامنة لتعزيز بناء الدولة والمؤسسات". فمن من منظور السيد لوح فإن اشتراط تواجد القضاة دستوريا و قانونا في بعض المؤسسات الأخرى و أثناء ممارسة مهامهم هو أمر أثبت أن "سلوكهم وحيادهم كان دائما إلى جانب قوانين الدولة نصا وروحا"، يقول الوزير الذي أضاف بأن "اتساع نطاق الممارسة القضائية و اتجاهها نحو التنوع و الاختصاص والدقة والتعقيد والتجديد هي حقائق لا مناص منها"، لذا فإن "العمل مازال مستمرا، خاصة في شقه المتعلق بالتكوين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق المزيد من التمكين والتخصص والاتقان، والطريق الأمثل لمواكبة المستجدات المتنوعة وعلى رأسها التحكم في الوسائل الحديثة والتكنولوجيات المتقدمة". و تابع المسؤول الأول عن قطاع العدالة مشيرا إلى أن "السلطة القضائية الملتزمة بنطاقها الدستوري و بتطبيق القانون بحياد وتجرد وكفاءة هي قاعدة الأساس للتقدم والتنمية الوطيدة" الذي تعمل الجزائر من أجله و على مختلف المستويات، "بترسيخ مرتكزات دولة القانون وبناء نظام قضائي عادل ونزيه ومسؤول". و بعد أن ذكر بأن استقلالية السلطات ومنها استقلالية القضاء، قد "أصبحت في الدول المتقدمة مصممة في الأساس لخدمة عموم المواطنين وتحقيق العدالة"، أكد السيد لوح بأن "ما يحققه المجلس الأعلى للقضاء بواسطة حرصه ودقة عمله و موضوعيته، سينعكس بالإيجاب على تطور الممارسة القضائية ذاتها وعلى زيادة نجاعتها في القيام بدورها في بسط القانون وحماية حقوق وحريات المواطنين ووقاية المجتمع من مختلف الأمراض"،و هو ما يندرج في إطار الأهداف السامية التي حددها الدستور وتوجيهات القاضي الأول في البلاد "الحريصة على إضفاء المزيد من المناعة للسلطة القضائية وتوطيد مكانتها للقيم بدورها على أكمل وجه، لزرع الاطمئنان والأمان لدى المجتمع برمته". و في المجال التشريعي، لفت السيد لوح إلى أن حركة التقنين "عرفت نفسا أقوى" في المرحلة التي أعقبت التعديلات الدستورية لعام 2016، لاسيما ما تتعلق منها بمواصلة مسار استقلالية السلطة القضائية وتدعيم الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وحماية المجتمع من الإجرام الجديد والجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني. و استعرض في هذا الإطار مجموعة القوانين المنشئة للمؤسسات الدستورية الجديدة التي صدرت منذ ذلك الحين، على غرار المجلس الوطني لحقوق الانسان و الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة وغيرهما، في الوقت الذي تمت فيه مراجعة قوانين أخرى مراجعة معمقة، منها إصلاح محكمة الجنايات و إعادة النظر في التنظيم القضائي، يضاف إلى كل ما سبق ذكره التعديلات المستعجلة التي طرأت على قانون الإجراءات و المندرجة ضمن الأحكام الدستورية المتعلقة بتعزيز الحقوق والحريات و دور النيابة في هذا المجال لاسيما في تنظيم العلاقة مع الضبطية القضائية ووسائل الاعلام. وعموما، فقد تمثلت الإصلاحات العميقة للقضاء الجزائي في استحداث آليات جديدة من شأنها تعزيز سلطة القضاء وفعاليته وكان آخر ما صدر في هذا السياق المرسوم التنفيذي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تعيين المساعدين المتخصصين لدى النيابة العامة الذين "سيكون لهم في المستقبل دور إسنادي هام في عمل النيابة العامة من خلال تقديم المشورة التقنية في المسائل ذات الطابع الفني التخصصي". و في سياق ذي صلة، ذّكر الوزير بمشروع قانون الإجراءات الجزائية الذي حظي بمصادقة مجلس الوزراء و الذي تضمن تعديلات أخرى، تتعلق بصحيفة السوابق القضائية تخص الأحكام المتعلقة بتنظيم صحيفة مخالفات المرور وصحيفة الإدمان على الخمور والمخدرات، وإنشاء صحيفة السوابق العدلية للشخص المعنوي، تماشيا مع الإصلاحات التي عرفها التشريع الوطني سابقا. و تندرج في سياق هذه التعديلات، أحكام جديدة تمكن الذين قيدت عقوباتهم في صحيفة السوابق القضائية من العمل في المؤسسات العمومية أو الخاصة ما لم تتناف العقوبات المسلطة عليهم مع طبيعة العمل الموكول لهم، بالإضافة إلى أحكام أخرى تتعلق بمراجعة أحكام الإكراه البدني ورد الاعتبار وتقليص آجال تقديم طلبات الاستفادة من هذا الإجراء، يوضح السيد لوح. كما صادق مجلس الوزراء أيضا على مشروع القانون المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي الذي يأتي في إطار ترقية حقوق الإنسان وحماية حقوقه المتعلقة بحياته الخاصة ومعطياته الشخصية، ومنع معالجتها إلا وفقا للقانون. و في سياق ذي صلة، من المرتقب أيضا أن يناقش مجلس الأمة، مشروع القانون المعدل للقانون المنظم لاختصاص مجلس الدولة، تماشيا مع الأحكام الدستورية الجديدة، وكذا مشروع قانون يعدل قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج للمحبوسين والذي يقترح فيه السوار الإلكتروني كآلية جديدة لتنفيذ العقوبة. ومن جهة أخرى، تم تشكيل لجنة من مختلف القطاعات لإعداد القانون المتعلق بكيفية الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها، كما تم فتح ورشة على مستوى وزارة العدل تتكون من عدة قطاعات، لتحيين التشريع الوطني في مجال الوقاية من الجريمة الإلكترونية ومكافحتها، وذلك بهدف تزويد الجزائر بالأدوات القانونية اللازمة لمواجهة التهديدات التي أصبحت تفرزها الجرائم ذات العلاقة بتكنولوجيات الإعلام و الاتصال. و أكد الوزير أن هذه الديناميكية ستتواصل في نطاق تكييف المنظومة التشريعية واستجابتها لاستراتيجية الدولة الرامية إلى "إحداث المزيد من التقدم في التطور الاقتصادي و الاجتماعي و كذا مواصلة تكييف التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية لاسيما منها ما يتعلق بحقوق الانسان و الارتقاء بالحريات الفردية والجماعية وتعزيز دولة القانون". للتذكير، كان المجلس الأعلى للقضاء قد وافق في دورته العادية الثانية لسنة 2017، على قائمة تتضمن تعيين 103 قاضي.