قطعت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بعد 46 سنة من تأسيسها، أشواطا معتبرة في مسيرة بناء أركانها وهياكلها السياسية والادارية منها والأمنية، مكنتها من تحقيق انجازات فرضت من خلالها نفسها اقليميا ودوليا كحقيقة راسخة لا يمكن الطعن فيها. و يواصل الشعب الصحراوي, الذي يحتفل الأحد بالذكرى ال 46 لتأسيس جمهوريته, السير بخطى ثابتة نحو التحرر والاستقلال. وجاء تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية بعد انسحاب الاستعمار الإسباني عقب التوقيع على اتفاقية مدريد الثلاثية يوم 14 نوفمبر 1975, ليجد الصحراويون أنفسهم في مواجهة عدوان جديد, لكن هذه المرة من الجار المغربي الذي غزا أراضيهم في نفس السنة. و في محاولة منها لوضع حد للتمدد المغربي, تمكنت القيادة الصحراوية يوم 27 فبراير 1976 من إعلان تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وتشكيل أول حكومة صحراوية في التاسع من مارس ببئر لحلو برئاسة محمد الأمين أحمد. اقرأ أيضا: الرئيس الصحراوي يتطلع لتضامن عربي حقيقي و منذ ذلك التاريخ, ما فتئت الجمهورية الصحراوية بفضل الحكمة السديدة للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو), باعتبارها نواة الجمهورية الصحراوية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي, تستكمل بناء مؤسساتها بثبات وبكفاءات صحراوية بحتة, تحضيرا الى مرحلة الإستقلال. و في خضم مسيرة البناء التي مكنت السلطات الصحراوية من امتلاك كل مقومات الدولة الحقيقية والظفر بالعديد من المكاسب الدبلوماسية والقانونية, طغت على المشهد الصحراوي تطورات جديدة أجبرت أصحاب الارض على تغيير اساليب مقاومتهم بالعودة الى الخيار العسكري. == استمرار مسيرة البناء بنكهة الانتصارات الدبلوماسية والقانونية == لقد بات يقينا لدى الشعب الصحراوي قبل أزيد من أربعة عقود, أولوية إعلان الجمهورية و أهمية بناء مؤسسات إدارية وقانونية متكاملة تؤطر وتقود النضال السياسي, وبالفعل حققت هذه المؤسسات مكاسب عديدة, حيث انتزعت الجمهورية الصحراوية الاعتراف الدولي و أقامت علاقات دبلوماسية واسعة, علاوة على شغلها لمقعدها ضمن الإتحاد الإفريقي. و تمكنت الجمهورية الصحراوية أن تفرض نفسها كدولة حقيقية موجودة من خلال مشاركتها في العديد من المواعيد الجهوية والقارية والدولية, والتي كان آخرها أشغال القمة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي التي جرت يومي 17 و 18 فبراير بالعاصمة البلجيكية بروكسل. و هنا شكل حضور الرئيس الصحراوي ابراهيم غالي على رأس وفد بلاده في الأشغال مكسبا قويا للدبلوماسية الصحراوية التي أكدت من جديد على أن الجمهورية الصحراوية "حقيقة قائمة ولا يمكن لأي أحد أن يشكك فيها أو ينفيها". اقرأ أيضا: المشاركة الصحراوية في قمة بروكسل انتصار دبلوماسي وسياسي كبير و لم تتوقف الانتصارات الدبلوماسية الصحراوية عند هذا الحد بل شكل أهم انتصار قضائي انتزعته القضية الصحراوية في الأشهر الماضية, الحكم الذي أصدرته محكمة الاتحاد الاوروبي في 29 سبتمبر الماضي, و ألغت بموجبه اتفاقيتي الصيد والزراعة اللتين تربطان المغرب بالاتحاد الأوروبي و الموسعتان إلى الصحراء الغربية المحتلة, مؤكدة على وجوب استشارة الشعب الصحراوي صاحب السيادة على ثرواته قبل أي تعامل اقتصادي. و عزز هذا القرار الجديد للمحكمة الأوروبية, الحكم الصادر في 2016 عن محكمة العدل للاتحاد الأوروبي والذي نص على أن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا ينطبق على الصحراء الغربية التي تصنف إقليما منفصلا عن المملكة المغربية. و تأتي المعركة الاقتصادية التي تخوضها جبهة البوليساريو خاصة أمام محكمة العدل الأوروبية, بهدف وقف نهب الموارد الطبيعية للصحراء الغربية المحتلة, لاسيما الزراعات التصديرية والفوسفات وصيد الأسماك, كما تسعى إلى إجبار الشركات الأوروبية التي تستثمر بطريقة غير شرعية في الإقليم المحتل على المغادرة. == الحرب تحط رحاها... والصحراويون أكثر اصرار على مواصلة الكفاح الى غاية الاستقلال == يأتي احياء الذكرى ال 46 لتأسيس الجمهورية الصحراوية بعد أكثر من سنة من العودة الى مربع الصفر وفرض الخيار العسكري على الجانب الصحراوي بعد خرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع جبهة البوليساريو سنة 1991, اثر العدوان العسكري على المدنيين الصحراويين في المنطقة العازلة بالكركرات في 13 فبراير 2020. و كان فرض خيار الحرب على الشعب الصحراوي فرصة جديدة ليثبت الأخير تمسكه بحقه غير القابل للمساومة او التفاوض في الاستقلال والحرية, حيث هبت الجماهير الصحراوية في ملحمة غير مسبوقة و التفت بممثلها الشرعي, جبهة البوليساريو, وكلها اصرار على مواصلة الكفاح الى غاية التحرر. و تمكنت القيادة الصحراوية طيلة هذه الفترة من تحقيق "انتصارات عسكرية" اثارت اهتمام الدول الغربية التي سلطت في العديد من المناسبات الضوء على الملاحم التي يخوضها جيش التحرير الشعبي الصحراوي يوميا ضد تخندقات الغزاة على طول الجدار الرملي. و أبان الجيش الصحراوي على قوة وشجاعة كبيرتين حولتا الجدار الفاصل الى مقبرة للقوات المغربية التي تتكبد يوميا خسائر في الارواح والعتاد تكشف عنها يوميا بيانات وزارة الدفاع الصحراوية. و مع بداية شهر فبراير الجاري, اعلن الجيش الصحراوي عن مقتل عدد من قيادات جيش الاحتلال خلال اسبوع فقط من العمليات النوعية, تمكن خلالها من تدمير راجمة صواريخ في منطقة الشيظمية بقطاع المحبس ومقر قيادة الفيلق 43 بقطاع المحبس. و لعل المناسبة هذه فرصة اخرى من اجل استعراض الاوضاع التصعيدية غير المسبوقة في الاراضي الصحراوية المحتلة التي تشهد ترهيبا من قبل القوات المغربية والتي بالرغم من كل هذا لم تتمكن من تثبيط عزيمة الشعب الصحراوي التواق الى الحرية والاستقلال.