سلط تحقيق صحفي مغربي, الضوء على الممارسات القمعية و الانتقامية التي تستهدف الحقوقيين و فاضحي الفساد في المملكة, بتهم أبرزها التشهير, ما أدى الى ضعف معدلات التبليغ عن الفساد بسبب الخوف من الانتقام. وقدم التحقيق الصحفي, الذي تناقلته مواقع اخبارية تحت عنوان "أصابع الادارة على الزناد.. إجراءات انتقامية تلاحق كاشفي الفساد", نماذج لمدونين ومواطنين وجدوا أنفسهم امام القضاء, بعد أن نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن تردي الخدمات في المستشفيات وواقع التعليم في المدارس, كما هو الحال مع المدون والناشط الحقوقي مصطفى زروال. و أوضح ذات المصدر أنه بعد أن بادر المدون, مؤخرا, بنشر صورة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" من قسم المداومة خلال تواجده رفقة أحد أقاربه بالإنعاش بأحد المستشفيات, يصف فيها "تردي الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين وغياب الكراسي إلى جانب الإضاءة الخافتة والضغط الذي تعرفه المصلحة في ظل وجود طبيبة مداومة واحدة وممرض واحد", تفاجأ بأن مدير المستشفى أودع شكاية ضده بتهمة التشهير, وهذا رغم أن التدوينة لم تستهدف أي شخص باسمه أو صفته. و أبرز التحقيق أن هذه الواقعة اعادت الى الأذهان ما عرف إعلاميا ب"فضيحة الزفت المغشوش", التي شهدتها مدينة جمعة سحيم سنة 2016, حيث تم اعتقال الشاب عبد الرحمان المكراوي بعد نشره مقطع فيديو يفضح التلاعب في صفقة تعبيد أحد الشوارع, ليتحول من فاضح للفساد إلى متهم, وذلك قبل التراجع عن متابعته والإفراج عنه. هذه الممارسات القمعية للمخزن أثارت نقاشا واسعا في مواقع التواصل الإجتماعي, ودفعت عددا من الهيئات الحقوقية والمدنية إلى الإحتجاج على متابعة الناشط الحقوقي مصطفى زروال, و اعتبارها "محاولة للتستر وقمع فاضحي الفساد, خاصة و أن ما نشره المعني حقيقي", و هو ما تؤكده صور نشرها مغاربة عن المستشفى المذكور. و قال المدون مصطفى زروال في تصريح صحفي إنه "بدل أن تنتبه إدارة المستشفى للوضع و أن تتداركه, فوجئت للأسف برفع شكاية ضدي", مضيفا: "ما يعيشه المرضى داخل المستشفى من واقع مزر سبق أن نشره المجلس الأعلى للحسابات في تقرير مفصل". وبالفعل, أصدر المجلس الأعلى للحسابات, سنة 2018, تقريرا مفصلا تناول الاختلالات التي يعرفها المستشفى الإقليمي السلامة بقلعة السراغنة, ومما جاء فيه بخصوص وحدة الاستعجالات "ضيق الفضاء المخصص لاستقبال المرضى, مما يؤدي إلى حدوث ازدحام على مستوى المدخل, وعدم توفر قاعة الفحص على الوسائل الضرورية من أجل عزل الحالات المعدية". ضعف معدلات التبليغ عن الفاسد بسبب الخوف من الانتقام وفي السياق, أكد الناشط الحقوقي المغربي, عمر أربيب, أن "الهدف من المتابعات هو تكميم الافواه, والتحكم في الفضاء الرقمي والإعلامي, بعد التحكم والسيطرة على الفضاء العام بأساليب القمع, وتغليب المقاربة الأمنية في كلا الحالتين", مشيرا إلى ضرورة توفر "ضمانات قانونية تحمي المبلغين عن احتمال ارتكاب انتهاكات أو جرائم من طرف القائمين على إنفاذ القانون والمسؤولين في مواقع القرار". كما سلط التحقيق الصحفي المغربي, الضوء على ما حدث لأستاذ في سلك التعليم الإبتدائي, بإقليم السراغنة, والذي تمت مساءلته هو الآخر بناء على تدوينة ساخرة نشرها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" يوم 20 سبتمبر الماضي, والتي فضح فيها "الوضع المتهالك للأقسام وغياب المرافق الصحية وطريقة تسيير المؤسسة التعليمية التي يشتغل فيها", مرفوقة بصورة تظهر وضعية القسم. وبسبب هذه الممارسات, أصدر المكتب الاقليمي للجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي, بيانا يعتبر فيه الإجراء المتخذ ضد الأستاذ "تضييقا و اعتداء على حرية التعبير والنشر, وأيضا محاولة للقمع والترهيب". و نبه ذات التحقيق الى أن حالة الأستاذ أحمد أرفود ليست الوحيدة التي يتعرض فيها كاشف للفساد للمتابعة الإدارية, مستدلا في ذلك ب"فضيحة" تقديم أربع موظفات بالمندوبية الوزارية لحقوق الانسان, شكايات حول تعرضهن لأمور "لا أخلاقية", قبل أن تنطلق "حملة انتقامية" في حق الشهود, كما تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التعسفية في حق بعض الضحايا, وفق ما كشفت عنه الجمعية المغربية لحقوق الانسان. و نتيجة لهذا الوضع, أكد التقرير السنوي لعام 2021 الصادر عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في المغرب "وجود ضعف كبير لمعدلات التبليغ عن أفعال الفساد, سواء من طرف سائر الأشخاص الذاتيين والمعنويين, أو غيرهم من الموظفين". وذلك راجع, وفق التقرير, "إلى عدم الشعور بالأمان والخوف من الضغوطات وأشكال الإنتقام, إلى جانب فقدان الثقة وضعف الوعي بالضرر الذي تلحقه أفعال الفساد بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للبلاد".