دليلة حليلو لا يمكن أن أقول أن عز الدين مجوبي كان زميلا وفقط لأني كنت أقضي معظم وقتي معه، عملت معه في الكثير من المسرحيات، ولم أجد راحتي في العمل إلا معه، هذا راجع في الأساس إلى احترافيته في العمل وتفانيه، كان يعمل بصدق، بحب وإخلاص، لم تكن أبدا المادة تهمه بقدر ما يهمه العمل الجاد والجميل والمتقن· أقول لكم شيئا فقط ولكم أن تتصوروا حجم الجهد والعطاء الذي كان يقدمه للفن، في مسرحية ''الحافلة تسير'' سواء في التمرينات أو العروض الرسمية على الركح، كان دائما ينهي الركح بمنشفتين أو ثلاث مناشف مبللة بالعرق، هذا ما لم أره أبدا مع أي ممثل آخر، هناك شيء آخر يحز في نفسي كثيرا، فأيام قليلة قبل اغتياله اتصل بي وأخبرني أنه يريد أن يعيد تمثيل وإنتاج مسرحية ''الحافلة تسير''، وحقيقة بدأنا في إعادة قراءة النص ولكن أيادي الغدر أخذته وأخذت موهبة لن تتكرر في الجزائر· عمر فطموش كان أول احتكاك لي معه في مسرحية ''عالم البعوش'' بعد انفصاله عن فرقة ''مسرح القلعة''، هذه المسرحية التي اقتبسها عن نص ''عدو الشعب'' لايلسين في بداية التسعينيات، والأمر الذي لاحظته فيه سواء في هذه المسرحية أو مسرحيات أخرى بعد ذلك، هو حس التدقيق في كل أعماله، أي لمسة صغيرة ينتبه لها، أي نفس و أي حركة، لا يترك أدنى شيء للصدفة، أيضا من خلال قدومه إلى المسرح الجهوي لبجاية كان عمله مع الممثلين الشباب جد مميز، لم يكن أبدا مغرورا، بل أراد لتجربته وموهبته أن تثمر من خلال الممثلين الشباب، وهذا من خلال جائزة أحسن دور رجالي تحصل عليها ''طيار جمال'' في مهرجان قرطاج الدولي، هذا الممثل الذي تتلمذ على يد عز الدين مجوبي· من جانب آخر المسرح الجهوي لبجاية يفكر في إعادة إنتاج إحدى مسرحياته، ومن المحتمل أن تكون ''الحوينتة'' بعد مسرحية ''الرجال يا حلالف'' التي نحضرها هذا العام تكريما لبوقرموح· عبد الحميد رابية كان الزميل عز الدين مجوبي رحمه الله فنانا مخضرما، فقد عمل في الميدان في فترة الاستعمار وبعد ذلك في فترة الاستقلال، وذلك لتكوينه العلمي الأكاديمي في المسرح، كان يتميز بعدة مواهب، فاشتغل في عدة مجالات في الإذاعة، المسرح بل حتى في السينما، هذه المواهب مكنته من التحصل على عدة جوائز إقليمية عربية ووطنية، أنا شخصيا اشتغلت معه في عدة مسرحيات منها، ''قالوا العرب قالوا''، ''الشهداء يعودون هذا الأسبوع''، ولمحت فيه فنانا من المستوى الرفيع وموهبة مميزة· رغم كل هذه الميزات والمواهب التي كانت في شخصه، لم يكن أبدا متكبرا ولا مغرورا، بل كان يتقبل النقد بصدر رحب من أي كان، أما التواصل والحوار فكانت ميزته للوصول إلى القلوب، حقيقة الساحة المسرحية فقدت فنانا من الطراز الرفيع· محمد بن قطاف كانت لعز الدين مجوبي بصمة خاصة، فقد كان واحدا من بين أهم الممثلين المتميزين من جيله، كان خلوقا وذا مبادئ لا يتخلى عنها مهما كان الثمن· كرّس حياته كلها للفن والعمل المسرحي في أوقات صعبة، لم تكن فيها ممارسة المسرح سهلة، كان يعيش بالفن وللفن عامة، وبالمسرح وللمسرح بدرجة خاصة، خدماته للممثلين الواعدين والمسرحيين كانت دون مقابل· بصريح العبارة مجوبي فنان لن يعوض أبدا، لن يكون هناك مجوبي آخر، فقد كان متفانيا في عمله، في الحقيقة هو خسارة للفن والمسرح الجزائري، فقد كان له مستقبل كبير، وكانت له بصمة خاصة في كل أعماله سواء الإخراج أو التمثيل·