يعتبر فوان فورن المولود 1957 بالأرجنتين أكثر الكتاب الشباب تمردا على الأشكال الأدبية الموروثة عن جماعة البوم اللاتينوأمريكي، هو ومجموعة الكتاب المعروفين بجماعة ''الكراك'' أي الإنشطار، كسر هيمنة الواقعية السحرية، من أشهر مؤلفاته ''قلوب معلقة''، ''السباحة ليلا''، ''التهور'' ·· وغيرها من الأعمال الروائية المميزة· فيما يتصل بالنصوص بصفة خاصة، هل تختار موضوعاتك بحرية كاملة؟ طبعا، عندما تدخل إلى مكتبة ما، تشعر كما لو أن كتابا ما يناديك، رغم أنك لا تعلم ما الذي يعنيه هذا الكتاب بالنسبة لك، فتقرأ بعض السطور، فإما أن تجد نفسك قد تعلقت بالكتاب، وإما تطويه على الفور، هذا ما أفعله بشكل أو بآخر، فالواحد منا قد يشتري ثلاثة كتب ويقرأ كتابين· عندما قدمت إلى ''جسل'' ملأت مكتبتي بكتب كنت قد قرأتها والتي لم أقرأها فقط، ثم واصلت البحث في هذا الإتجاه· هل لديك معايير لاختيار موضوعاتك؟ كتبت طوال مسيرتي الصحفية أكثر من 100 ملاحظة، عندما أقوم بعملية الاختيار للقراءة أبحث عن الكتاب الذي يحكي قصة بطريقة أو بأخرى، هذا هو المعيار، ثم بعد أن أدون الملاحظات أبحث فيما إذا كان هناك بينها وبين بعضها البعض نقاط التقاء أو تقاطع، كتبت روايتي ''الأرض الموعودة'' عندما فرغت من قراءة ''السيدة بوتفرلي''، حاولت من خلال هذا العمل أن أبحث عن مكان سري حيث تكتب كل النصوص· ككاتب، هل التغيرات الحاصلة من حولك هي التي أثرت فيك أم أن ثمة هناك شيء حميمي؟ مع مرور الوقت، ستصبح أكثر صدقا مع المكان الذي يحتله الأدب في حياتك، لا أستطيع أن أجزم اليوم وأقول أن الأدب هو أسمى قيمة في حياتي، فهناك أشياء هامة في حياتي كزوجتي، إبنتي، صحتي·· ثم يأتي الأدب·· كنت أستقيظ خلال عدة أعوام على الساعة الثانية مساء لأذهب إلى مكان عملي، ثم أعود لأثرثر مع زوجتي، وعندما تذهب إلى النوم أجلس قبالة الآلة، وعندما تشرق الشمس أذهب إلى النوم، ظهور إبنتي أجبرني على تغيير هذا السلوك، أما المرض فقد دفعني إلى تغيير العديدمن الأشياء· أنا كمدير لمجلة ''الرادار'' يجب أن أكون ملما بكل ما يحدث في المجال الثقافي، عندما كنت في ''جسل'' لم أعد مجبرا على مواكبة الأحداث الثقافية، في ''جسل'' أصبحت أنظر إلى ما يحيط بي، كنت أتابع كيف يدخل النور إلى الغرفة في المساء من خلال الأشجار المحيطة بالبيت، عندما أخرج في الصباح لأتمشى أرنو إلى البحر لألاحظ أحواله، يتملكني نفس الشعور عندما قمت بإخلاء البيت من الأثاث الذي عشت معه سنوات عديدة، الشيء الذي اكتشفته هو أنني عندما عشت بعيدا أصبحت أفكر بشكل أحسن، أنا لا أثق كثيرا في نفسي، عندما أقوم بتطوير أفكاري أعتقد أن الشيء الوحيد الذي أحسن فعله هو عملية الحكي عندما عملت بالصحافة إكتشفت أحسن ربط الأفكار مع بعضها البعض، في ''جسل'' كان لدي متسع من الوقت كي أطرح العديد من الأسئلة حول ما أنا بصدد التفكير فيه، كنت دائما أتسأل لما هذا الوصف بالذات؟ عندما كنت أهم بالكتابة كنت دائما أقول لنفسي ما الذي أريد قوله من خلال هذا الكلام، اكتشفت أنه عندما أجد الوصف الدقيق والعميق تتضح لدي الفكرة بشكل جلي، فالتوصيفات يمكن أن تطير في الهواء لكن الشيء الذي يبقى هو تصاعد الأفكار والمفاهيم، أعتقد أنني خلقت لأحكي قصصا، فهذا التداول في الأفكار الذي يحصل عند عملية القص يسميه الأنجلوساكسون بقصة الأفكار، لذا أقول أن أفكاري المتتالية هي عملية قص بالأساس· هل أفادتكم الكتابة؟ تأتي عملية الكتابة مباشرة بعد عملية القراءة، أنا معجب بجارسيا ماركيز لأنه يكتب بحواسه الخمس، ويجبرك على أن تقرأه بحواسك الخمس أيضا، عندما تقرأ على هذا النحو تأتيك الأفكار من كل حدب وصوب، من خلال السمع، النظر، الشم، اللمس، هكذا أغذي أعمالي، أضع كل هذه الحواس على الطاولة ثم أتساءل كيف ستترابط هذه الأمور؟ كيف ستغذي هذه الجمل بعضها البعض؟ إلى أين تتجه بي هذه الجمل؟ بعض الأفكار التي أكتبها في ''الرادار'' تختمر بذهني بشكل بطيء ولكن عندما أقرر جمعها في شكل نص أرتب حواسي بشكل يجعلني أفضل فكرة على أخرى إلى أن تتبلور الفكرة الرئيسية، أظن هذا هو الخيط المفضي إلى عملية القص، لم أشعر بحرية قط مثلما شعرت بها عند كتابة روايتي· في عملي المقبل سأخلط بين الواقع والخيال، سأخطو خطوة أكبر من تلك التي خطوتها عند كتابتي ل ''الأرض المحتارة'' قلت ذات مرة أن القلق واللامعنى هما ميزتا هذا العصر، هل معنى هذا الكلام أنك تتبنى نظرة متشائمة أم أنك ستفكر في تجاوزها؟ لا أدري، غير أنني أقول أنني أفضل الإكتئاب، لا أستطيع أن أتجاوزه· فيما يتصل بالإكتئاب، هل تعتقد أن موضوع القلق والإكتئاب مهم في الكتابة الإبداعية، بعض الفنانين يؤكدون على ضرورة أن يحيى الفنان حياة دراماتيكية كي يبدع؟ بالنسبة لي، لا مناص من القلق عند الكتابة الإبداعية، كما أنه لا مناص من أن يشعر الواحد منا بأنه محاط بالآخرين، لا نستطيع أن نتجاوز القلق والألم الشخصي لأن العيش بدونهما لا يعني أن الواحد منا سيعيش في جنة، لا يستطيع أي إنسان أن يفهم الحياة دون أن يمر بتجربة القلق، لكي تصبو إلى هدف أسمى لا بد عليك أن تضع في روعك أنك ستقسط يوما في الهاوية· عودة إلى أعمالك، هل تبحث من خلال كتاباتك على رسالة ما تريد تمريرها أم أنك تريد الحكي فقط؟ عندما أشرع في الكتابة لا أعرف ما الذي سأقوله، أحيانا أنهي القصة ولا أعرف ما الذي ترويه، فأنا أكتشف الشيء الذي تريد أن ترويه قصتي بعد أن أعيد قراءتها، تماما مثل الوله بامرأة جذابة وبعد مرور سنوات عديدة لا تستطيع أن تصل إلى سر هذا الوله، كان جارسيا ماركيز يردد كثيرا عبارة قالها خورخي لويس بورخس ''الكتب التي لها قيمة هي التي نعيد قراءتها'' إذا أردت أن تحافظ على إعجابك بكتاب ما، خاصة عندما تعيد قراءته يجب أن تحافظ على الجانب السري فيه كي تبقى دائما تحدث نفسك عنه· ما هو الأثر الذي يتركه فيك عمل كنت قد قرأته؟ أفضل الأعمال التي تحرك مشاعري، التي تذهب إلى اتجاهات مختلفة، أفضل الأعمال التي أتعلم منها كالتقنيات التي أسمو من خلالها بأسلوبي، كما أنني أحب الأعمال التي ألجأ إليها في كل مرة، إذن، أحب الأعمال التي تهز المشاعر، وتلك التي تضمن لك أنه ثمة هناك دائما شيء جديد عند العودة إلى قراءتها· لنعد إلى الوراء، متى بدأت الكتابة؟ بعبارة أخرى، متى شعرت أنك كاتب؟ عندما بدأت أكتب في سن الرابعة كنت أعتقد أن ما أكتبه هو الأدب، أو ما يجب أن يكون عليه الأدب، عندما كنت طفلا صغيرا كنت أقرأ كثيرا المجلات لدرجة أن أهلي كانوا يلقبونني ب ''المجلة المكسيكية''، كانوا يؤمنون بثقافة عدم المكوث طويلا بالبيت، والخروج للتنزه والترفيه، لذا كانوا يأمرونني بالخروج وعدم المكوث بالبيت لقراءة المجلات· أقر بأنني أدين لأجدادي بأمرين مهمين، عندما كنت أخرج معهم، حيث اكتشفت الكرة وروكنرول، إكتشفت أنني أحب لعب الكرة، لهذا كنت أفكر بالإحتراف عندما أكبر، فجربت اللعب في عدة أندية غير أنني لم أستقر في أي ناد، فانضممت إلى الكثير من فرق الروكنرول، غير أنني اكتشفت أنني لا أصلح لهذا الأمر، لهذا عرجت نحو الأدب، كتابة الشعر أمر مهم كي يبدو الواحد منا أنه مجنون، كنت أكتب الشعر لأتمرد على محيطي، أفادتني كتابة الشعر في اهتمام بعض الفتيات بي· كيف تأتي لحظة الإلهام؟ هل تترك الفكرة تختمر بدماغك، أم أنك تلاحظ شيئا أمامك فتريد أن تقصه، أم أن الفكرة تنزل عليك دون مقدمات؟ لتقنية الكتابة علاقة جد وطيدة مع الشخصيات التي نختارها، إلتقائي بكورتازار كان له الأثر القوي بالنسبة لي، عندما وصلت إلى باريس بحثت عن عنوان كورتازار، كنت أتبعه إلى أي مكان يتجه إليه، كان كورتازار يقول لا أعرف متى سأنتهي من كتابة روايتي عندما أشرع في عملية كتابتها، أصبحت أؤمن اليوم بأن هذه المقولة ليست دائما صحيحة، لا بالنسبة لكورتازار ولا بالنسبة لغيره، فأنا عندما أبدأ أكتب لا أعرف إلى أين سأتجه، عندما كتبت روايتي الأولى، كتبت الفصل الأول ثم الثاني، بعد ذلك صححت الفصل الأول ثم الثاني، وبهذا تلمست طريقي في عملية السرد، كنت أكتب بهذه الطريقة إلى غاية رواية ''التهور''، أصبحت أتحكم في أدواتي عندما بدأت أكتب ''مجرد أكاذيب''، قبل هذا وذاك، كنت لا أعرف أين هو المخرج، فكنت أرجع القهقري، كل مرة أظن أنه مع الوقت يكتشف الواحد منا طريقته في الكتابة، يتأقلم مع أسلوبه أكثر فأكثر، في البداية نسرق التقنيات وطرق الكتابة من كل الكتاب الذين نقرأ لهم، ثم نتلمس طريقنا في الكتابة· عندما كنت مراهقا متمردا يطمح في أن يصبح شاعرا ملعونا أو حكاءً، كنت دائما أرفض العقلانية، كنت دائما أشعر أنني نصف مجنون، فأنا أؤمن بمقولة أعطوني برجس الذي يقول أن الروائي الحقيقي لا يجب أن يكون ذكيا جدا لأن الذكاء يفسد ملكة الحكي لدى الروائي أو القاص، لهذا السبب لم أكن أحفل كثيرا بكتب الفكر، كما أنني لم أكن أحبذ الحديث عن النظريات، كنت أقرأ، ألتهم الخيال بمرور الوقت يجد الواحد منا نفسه مهتما بكل ما يخدم كتابة القصة، وبهذا نلج عالم الأفكار، كنت دائما أفكر في الكيفية التي أبني من خلالها أفكاري، أظن أن أهم شيء بالنسبة للكاتب هو البحث عن العناصر التي تمكنه من تقوية أسلحته وشخصيته، كلما قرأ الواحد منها كثيرا كلما تعلم كثيرا أيضا، أعتقد أن القراءة هي المصدر الأساسي لمعرفة العالم، كلما قرأنا أكثر كلما اتسع أفقنا، وكلما اتسع أفقنا كلما استطعنا كتابة الرواية أو القصة، عندما سألت إسبدورا دوكان هل تستطيع أن ترقص أي رقصة؟ أجابت بأنها تستطيع أن ترقص حتى الكرسي الذي هو أمامها، وأنا أيضا أريد أن أحكي هذا الكرسي الذي هو أمامي، فالقصص موجودة في كل مكان، فتحت الصخرة توجد قصة، الشيء الذي أبحث عنه هو المرونة، أريد أن أتشبه بالسمكة وأنا أحكي أي شيء، أريد أن أصبح حكاء كاملا، هذا هو الشيء الذي أحبه الآن، إذا سألتني بعد عشر سنوات ما هو أحب شيء لديك سأقول لك أحب الإعتناء بحديقة المنزل· من هم الكتاب الذين تأثرت بهم؟ تأثرت في البداية بهنري ميلر وكورتسار، من خلال هذه الأخيرة إكتشفت ماريشال وآلرت وقصصي السيتات خاصة أبيلاردو كاستييلو، بريانتي، وبيليا، أعتبر المزج بين بورخس، رولفو، وأونتشي بمثابة القنبلة المدوية، ثم تأثرت ببعض الكتاب الأمريكان كفيتزجرلد، همينجوي، فولكنر، ثم تأثرت بالكتاب الروس تولستوي، ديستوفسكي، تشيخوف، بابل· أما الكتاب الأوروبيون الذين تأثرت بهم فكانوا إنجليز وألمان وإطليين، لم أتأثر بالإسبان والفرنسيين، ثم تأثرت بجماعة البوم حدد اللاتينوأمريكي، هناك كتاب تقرا لهم في سن العشرين وتبقى متأثرا بهم إلى غاية سن متقدمة، كان كل هؤلاء بمثابة أسرتي الكبيرة·