على فرع الشجرة وقفا جنبا الى جنب·· هي بفستان زفافها الأبيض·· فاتنة الملامح·· ممشوقة القوام·· وهو ببذلته السوداء الانيقة، المفتوحة الجاكت عن قميص زاهي البياض·· الصمت سياج يفصل بينهما·· بينما الساحة على مرمى البصر حولهما خالية إلا من عويل الليل·· المدعوون صنعوا لهما محفة من حرير، طاروا بها عبر البساتين، وفوق الأشجار، بعدها جاءت التحية من فرقة الطيور الموسيقية·· عزفت الحمامة مقطوعة هامت معها النفوس، وغنى البلبل أغنية أسعدت القلوب، وغرد الكروان فاذهل العقول·· ثم أوصلوهما إلى مدخل عشهما الأنيق·· مضى كل إلى غايته، ولم يبق إلا هما والليل وفرع الشجرة باستقامته تحت ضوء قمر يتقافز في الانحاء·· نظرت إليه·· عيناه فيهما سطور شوق·· فرت عيناها من عينيه·· بحثت عن مأوى·· كان قلبها الصغير نهرا من قلق تجاوز حد الكتمان، وبانت ملامحه على قسماتها·· سأل أخيرا: - ما بك؟ نظرت إلى العش بجوارها·· حجراته فسيحة·· فرشها راق·· هواءها متجدد·· نوافذها تطل على الخضرة والسماء الزرقاء، وعيون الليل الساحرة، والقمر الدافئ بنوره الهامس بأعذب الألحان·· عادت إليه - لن أعيش هنا اتسعت عيناه·· رفرف بجناحيه مرارا بقلق· قالت: انظر يمينك ويممت وجهها نحو اليمين·· واجهته لافتة بيضاء عليها خطوط سوداء عريضة: ممنوع الزقزقة مضت بوجهها إلى اليسار·· رأى لافتة أخرى: يحذر الطيران بدون إذن· أحنى رأسه منقبض القسمات·· حكام الأشجار الذين يأمرون وينهون في ساكني الفروع يصدرون تعليماتهم، وعلى الجميع طاعتها، وإلا حرموا من سكن العلالي، ونزلوا رغما عنهم إلى الأسفل·· انتبه لعينيها تقودانه إلى الطريق·· طيور محظور عليها الصعود لا على·· تجاور الجدران·· متهدلة الأجنحة·· وأخرى تسير على التراب باحثة عن مأوى·· ضم جناحيه على جسده المتقازم في صمت، بينما الكلمات على شفتيه تتراجع مخزولة مفككة، وهو يحاول ربطها دون جدوى·· أخيرا استطاع أن يهمس: - البعض يفضل البقاء واجهته محتدة: - لن ابقى تألقت في عينيه نظرة مباغته وهتف :- - إذا نظرنا إلى نصف الكوب الآخر لن نندم كانت واقفة على غصنها المورق·· النسيم يزف موسيقى الحياة إليها·· رغم هذا تبدو متجهمة·· عيناها فيهما نظرات قلقة· ترمق الساحة الخالية من خلال دوامات تدور في رأسها لا تهدأ··· بينما الليل حولهما وحش ينشب أنيابه في الصدور·· أدار عينيه هذه المرة هربا من مطاردة نظراتها له·· ليلة زفافهما لن تكون هانئة بهذا الشكل·· الشوق واللهفة والانتظار المتأجج والنيران المشتعلة والأحلام المتألقة كل هذا ابتلعته أمواج غضبها المتلاطمة·· تريد الرحيل·· وهذا معناه سفر ومشقة وبحث·· معناه عش جديد وعالم جديد عليهما أن يألفاه ويتآلفا معه·· وجيران جدد وأشجار أخرى·· وحكام أشجار آخرين قد يقبلون بهما، وقد يرفضون بقاءهما بينهم وهما في كل الأحوال سيكونون مضطرين للاذعان·· لكنه الآن لا يملك أن يتركها هكذا في أتون من نار لا تهدأ· انتبه لصوت بكاء ينسل عبر دهاليز الصمت إلى أذنيه·· التفت إليها·· قرر التحرك فورا·· أغلق أزرار جاكت بذلته وفرد جناحيه وامتطى متن الهواء وهي إلى جواره تكفكف دموعها راضية بالقرار الذي سعت إليه· طال بهما البحث حتى استقرا على مكان يصلح لما يريدان·· شجرة تستحم بضوء القمر·· أطرافها عفية وجسدها سارح· تصلح عشا للغرام ينعمان فيه بما ينشدان من راحة·· هبطا يلتقطان أنفاسهما والنشوة تزغرد في العيون·· أدارت عيني السعادة في المكان وهي تفرد فستانها، وتضبط طرحتها ناظرة إلى القمر، ترى وجهها على صفحته استعدادا لبدء مراسم الزفاف·· امتقع وجهها وهي تهمس له: - انظر يمينك رأى لافتة مكتوبا عليها: احذر رصاص القناصة هرب منها إلى اليسار·· طالعته لافتة أخرى انتبه للقنابل الحارقة عاد إليها خلعت ملابس الزفاف البيضاء وارتدت ثوبا اسود·· حدق في وجهها الممتقع وعينيها الفزعتين، وقبل أن ينطق بحرف رآها تفرد جناحيها وتنطلق·· ارتدى عباءته القديمة ملقيا ببذلته وربطة عنقه جانبا وأطلق صوته خلفها: - إلى أين؟ ردت وهي منطلقة بأقصى سرعتها: - أبحث عن نصف الكوب الآخر الذي حدثتني عنه·