قال حماري بعد أن استفاق من تفكيره العميق وأطلق تنهيدة ساخنة من أعماق أعماقه·· ''راحت البلاد''··· قلت له·· فعلا ''راحت''·· بدأت السنة وهاهي تشارف على النهاية ولم نعرف تغيرا يذكر·· نهق حماري عاليا وقال·· البلاد كلها واقفة على ''بالون''·· لا حديث ولا كلام سوى عن أخبار البالون·· وزادت الاختلاسات على آخرها دون أن يدري أحدا بها·· أضرب الأساتذة وأضرب الطلبة وأضرب الأطباء وأضرب المرضى ولكن لا حياة لمن تنادي·· قلت له·· فعلا حتى الحكومة تغمض عينا وتترك أخرى وتراقب الشعب من ''تحت إلى تحت''·· ولا تهتز إلا عندما تشتم رائحة عجلات المطاط التي يشعلها الشعب الثائر الذي كره من بيوت القصدير وكره حياة الذل والهوان·· سخر حماري من الدنيا كلها وقال·· المؤمن يسبق في روحو والحكومة تسبق في نفسها وفي رعاياها ولا يهمها إن عاش الآخرون·· أو ماتوا·· أنا حمار ولم أملك يوما امتيازا في هذا البلد لا من قريب ولا من بعيد ولم أتجرأ يوما على ممارسة الشغب أو إلحاق أي ضرر بالحكومة ولا بغيرها·· ولم أستفد يوما من حجرة في هذا البلد·· ضحكت من كلامه وقلت له·· الله يهديك أيها الحمار·· الشعب المسكين كله لم يستفد من أي شيء، الذين استفادوا هم أصحاب الزهر والميمون·· أما نحن فأصحاب الخل الحامض·· قال·· حمضنا من هذا الخل حتى صارت الحياة كلها لا تطاق·· صمتنا عن الحديث لأن لا مخرج لنا من هذه المشاكل سوى الصمت وخليها تخلى··