ستبقى اللغة في مآتمها، كلّما تنازعت كائناتها، فمنذ الوهلة الأولى للكتابة يكون الكاتب بين خيارات عديدة، كثيرا ما ينتصر فيها موقفه من الحياة على حساب ذاته، كما قد يكون العكس هو من يزحزح هذا الكاتب عن إنزال الجواهر الثمينة، قيبقى حبيسا للعتمات، مثلما جاءت به أكبر الأعمال الإنسانية في الأدب، على غرار المتنبي ومحمود درويش ومحمد ديب ولامارتين ونيرودا وغيرهم من المتأسّين بالحياة في جانبها المظلم· وليست الفوارق هي التي تشيع كيان الإنسانية في كتاباتها وهاجسها المتقلّب على الصفيح الساخن من السّجال الوجودي، إنّما كل كتابة هي ''جبل من حطام هذا الصراع'' / صراع العمق مع السطح والهامش مع المركز، كأن الإنسانية - على تعميمها - هي الرائد الوحيد للتكرار والملل والقرف التاريخي الذي يطمس إيقاع الأفراح الإنسانية، كونها لا تتنصّل من عذاب الأسئلة المدفونة في طيّات الكتب، سواء منها العقائدية الأدبية أو العلمية المتحيّزة لذات العقيدة، فما كان للأدب إلا هذا الترديد المتهالك على حافّة الألوان اللّغوية، مهما كان نوع لسانها· وكل جديد في الإنسانية هو ما ظلّ يكرّره صدى الفلسفة في الشعر وفي الرواية وكذلك في ''الدكاكين'' و''النوادي'' و''المقاهي'' و''الأسواق'' و''الساحات''، كأن القراطيس هي نفسها والمحابر هي ذات المحابر وألوان الكتابة من ذات لون قوس قزح في الطبيعة، إلى الغاية التي لا يكاد يلامسها الإنسان وهو يشيّد عمران الأفكار وأحجار العقائد والأيديولوجيات، حتّى يعود إليها من جديد تحت سينفونية الترويح عن الحضارة تارة والرغبة في ملاسنة الوجود· ألم يكن ''كولن ويلسن'' و''ألبير كامو'' والشاعر الجديد الذي ستلده الحياة على حافة من هاوية الأسئلة، في آفاق البشرية القادمة، هو نفس ذلك الصدى الأنثروبولوجي الذي تستطلعه الحفريات، فتنحت منه مصدر السياحة على معالم ''ردوم الأفكار''، في هذه الخارطة الجغرافية أو تلك، بحيث لا معنى - عندها - للأبعاد الفيزيائية والكيميائية لفلسفة ''نتاجات التاريخ''· أليس التكرار هو ذروة سجال الهامش الدّائر - كمحرّك ميكانيكي - في رأس الإنسانية، بصرف النّظر عن انتماءاتها ولا انتماءاتها، وبالأعمق، أليس التراكم الإبداعي لهذه الإنسانية هو نقطة الصراع الدفين في أرواح كائنات الطبيعة، على اعتبار ثنائيتها المتوازنة التي لا تجرؤ الميولات العقائدية على التخلّص منها، مهما كانت رسالة الحب، للخلاص من ''العذاب الإنساني الأكبر''، وهو ما تلعب أدوارها التمثيلية بامتياز فئات المبدعين والمفتونين بعجائبية هذه الحياة، فيقولها كلّ مبدع على منواله ؟··· ··· يتبع