قال يوما الشاعر الألماني ''هيلغا نوفاك '' : ( عرفت العديد من هذه البيوت / أقسام داخلية / دورات سياسية / مدارس حزبيّة / تمّ إقامتها في الفيلات والمزارع والقصور ) ، فأردت أن أزيح ظلمة المشهد اليومي الذي يمشي حافيا من كل أصوله المعرفية والعقلية ، كأن يعيش الإنسان وهم البنيات الاجتماعية المريضة بالتحايل والتلاعب بالضمائر البشرية ، من فرط ما توصّلت إليه فلسفة إفراغ العلم من فضيلته وانخراط الأدب في متاهات ''الميكيافلية الطبقية'' ، كالتي تناسلت مع تخوم المدنية و ''التريّف الفكري'' ، على اعتبار أن ا ريف الفكر ا هو المنتج الأول لسلطة المادة ، ومن ثمّة الشهوة في ''إدارة السياسة'' ، فأسأل ببراءة الإنسان من الذئاب ، عن تلك الأعمال الأدبية التي تناطح السحاب ، فلا هي تأتي بالمطر ولا هي تثير الزّرع ؟ في المدينة التي لا تستقيم على العلم والموضوعية ، كما في الرّيف الذي لا يستقيم على الفطرة والصفاء ، يكون الإبهام هو ذروة الفجائع التي تنهك الحضارة ، فيأتي الهرم مقلوبا ، مثلما نجد ذلك في ألعاب ''الترويض الفكري للأطفال والصبيانيين'' ، وهو الحال الذي تنتصر فيه الإنسانية إلى '' المادّة'' ، انتقاما من الذّات ، فتشيع الرّذيلة داخل مدينة غير فاضلة ، يجد فيها أهل الأدب والفلسفة فراغا رهيبا ، لا تملؤه إلا الأورام والمتاهات والولاءات الزّائفة ، رغبة في تحقيق ''عبثية بورجوازية جديدة'' ، لا يستطيع فيها الفكر السياسي ولا غيره أن يفهم ما هو حاصل في الواقع ، فينكمش في الغالب ، بل وينخرط - في أسوإ حالاته - مع هذا الفراغ الذي تنادي به ا بورجوازية الفقرب ، حتى كأن التناقضات تصبح منهج حياة لا مفرّ منه ، فينتحر أصحاب الأفكار على الأرصفة المهترئة ، التي تخلّفها زوابع الواجهات المتصدّرة لمنتوج ''المادة الفقيرة'' · فما المادّة الفقيرة ؟ ، هو سؤال يتسكّع في أروقة الناطقين الرسميين باسم المآسي الاجتماعية والروحية ، كأن يصبح ا الحمار سيّد صاحبه في غفوة الانتباه المنهك من جرّاء استفحال تلك العدميّة التي لا هي من ''واقع معيش'' ولا هي من ''واقع افتراضي'' ، إنّما تكون بين هذا وذاك ، بين مطرقة وسندان وبين نوم ويقظة ، بين عقل وجنون ، بين فوضى ونظام ، حتى يصبح الفكر الحرّ في خصومة أبدية مع حريته ، وينزع الإنسان إلى صدى ذلك الاستبداد الساكن في أعماقه ، ولو أنه يبحث عن نور شمعة أخيرة في دهاليزه · هنا ، في جحيم ''غيبوبة العقل'' و ''تطرّف العاطفة'' ، تنزلق الحكمة و تستأسد سلطة البورجوازية المجنونة ، لتفقد صوابها بواقع العلم ، فيما يصبح التهافت على ''التسرّب العلمي'' قمّة التحصيل ، بداية من الشارع إلى مؤسسات المجتمع البشري ، ومنه يصبح مجال المعرفة مغلقا على شهوته مع كل ''عابر سرير'' ··· ··· يتبع