·· وأي أمنية نفيسة عزيزة كان يحلم بها شاعرنا العظيم مفدي زكرياء وهو يودع فلذة كبده، قبيل التحاقه بإخوانه المجاهدين في ثورة التحرير، عقب تلقيه رسالة بليغة حكيمة من نجله العزيز سليمان، مؤرخة بيوم فاتح نوفمبر 1960 وتصدرت صفحات ديوانه الأول الشهير: اللهب المقدس؟·· هل كان الوالد الكريم ينتظر من إبنه البار أن يضيف لشهادة العلم شرف الاستشهاد؟·· أم كان يتوقع أن يصبح نجله المعزز شخصية مرموقة في حكومة الجزائر المستقلة؟·· تساؤلات مشروعة واجهتني وصافحتني هذه الأيام، بعد أن اتصلت بالأستاذ الدكتور سليمان الشيخ لتهنئته بالمنصب الجديد الذي سيتولاه خلال شهر جويلية المقبل، كممثل منظمة المؤتمر الإسلامي لدى الأممالمتحدة بمقرها في جنيف· وصاحبنا المحترم سليمان، معروف بنبل وأصالة أخلاقه، وتواضعه وحيوية نشاطه، هو من مواليد 13 جويلية··· يحمل في حقيبته الرمادية شهادات علمية من جامعتي الجزائر وفرنسا، وتولى مناصب سامية حساسة، منها: رئيس الجامعة الجزائرية المركزية، وزير التربية والتكوين، وزير الثقافة، وزير التربية الوطنية، مستشار برئاسة الجمهورية، سفير الجزائر بمصر، رئيس مؤسسة مفدي زكرياء، وله عدة دراسات وبحوث محكمة، ومن أبرز مؤلفاته كتابه القيم: الجزائر تحت السلاح (مترجم إلى العربية)· وترتسم الآن في ذهني صورة الطالب المجاهد سليمان، بمناسبة الاحتفال بتخليد العيد الوطني للطالب الذي يصادف 19 ماي· ويعود بي شريط الذكريات إلى منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، عندما كنت ألتقي مع الدكتور سليمان الشيخ، وكان يتولى رئاسة الجامعة الجزائرية، ويتابع باهتمام كبير سلسلة الحوارات والمقالات التي كنت أكتبها وأنشرها بملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية، وما انفك يدعمني بالتشجيع المعنوي، ويزودني بالأخبار الجديدة والأصداء المفيدة، ولم يبخل بتقديمه البليغ لكتابي المعروف ''مفدي زكرياء شاعر مجد ثورة''، وقد ظهرت طبعته المحدودة سنة 1987 ضمن منشورات مركز البحوث والإعلام الوثائقي للعلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة وهران، قبل أن تصدر سنة 1990 عن المؤسسة الوطنية للكتاب، لتطبع بعد ذلك منقحة سنة 2003 عن منشورات مؤسسة مفدي زكرياء· وسأظل أعتز دوما بكلمة التقديم والتقدير التي وقعها الدكتور سليمان الشيخ بتاريخ 09 مارس 1986 واستهلها بقوله: لقد كان الوقع في نفسي بليغا وعميقا، بعد أن قرأت الأحاديث والمقالات التي كتبها الصديق بلقاسم بن عبد الله خاصة بملحق النادي الأدبي بجريدة الجمهورية· فقد جاءت هذه الكتابات في ظرفها المناسب، لتساهم بقسطها الوافر في رد الاعتبار لوالدي المرحوم مفدي زكرياء شاعر النضال الوطني والثورة التحريرية· لقد كان الوقع في نفسي بليغا وعميقا، بعد أن قرأت الأحاديث والمقالات التي كتبها الصديق بلقاسم بن عبد الله خاصة بملحق النادي الأدبي لجريدة الجمهورية·· فقد جاءت هذه الكتابات في ظرفها المناسب، لتساهم بقسطها الوافر في رد الاعتبار لوالدي المرحوم مفدي زكرياء شاعر النضال الوطني والثورة التحريرية· كانت تلك الكتابات المتتالية بمثابة بريق أمل في سماء حالكة، ودوي قوي وسط صمت رهيب، ساد منذ أمد طويل، فإذا بالسؤال العميق الذي ألقاه الكاتب على الضمير الوطني'' شاعر خلد الثورة·· هل خلدته الثورة؟'' يتحول إلى حدث صحفي بالغ الأهمية، ساهم في خرق جدار الصمت الذي أطبق وطبق على هذا الشاعر القدير والوطني المناضل الغيور·· (صفحة 4 من الكتاب المذكور في طبعته الثانية)· وتدعمت علاقتي الوطيدة مع الأستاذ سليمان، أثناء مشاركتنا في أول أسبوع ثقافي تخليدي لذكرى شاعرنا العظيم مفدي زكرياء، بمسقط رأسه في بلدة بني يزقن بولاية غرداية، منتصف سبتمبر 1987 وتوالت اللقاءات والأحاديث والمساهمات خلال الملتقيات المحكمة التي تقيمها مؤسسة مفدي زكرياء بانتظام، منذ تأسيسها الرسمي في أكتوبر 2001 حتى الآن· والحديث يطول عن جهود ونشاط الدكتور سليمان الشيخ وخدماته الجليلة في سبيل الجامعة والثقافة الوطنية، ولا يسعنا في الختام إلا أن نجدد خالص تهانينا الصادقة، بمزيد من التوفيق في مهامه الجديدة المنتظرة، وأن يظل وفيا لأهل مؤسسة مفدي زكرياء وللأسرة الثقافية عامة، ونعود لنتساءل الآن بالمناسبة:·· وأي أمنية نفيسة عزيزة كان يحلم بها شاعرنا العظيم مفدي وهو يودع فلذة كبده: سليمان، قبيل إلتحاقه بإخوانه المجاهدين في ثورة التحرير؟··