''أغبياء أولئك الذين لا يحبون كرة القدم !'' - خورخي أمادو يبدو الكاتب البرازيلي خورخي أمادو المعروف بكتاباته الضاجة بالأساطير والنماذج الإنسانية الباذخة في جنونها والرهيفة في حيواتها غير متحفظ على الإطلاق من خلال هذا الحكم الواصف لكافة الذين لا يحبون كرة القدم بالغباء· ويبدو هذا الحكم أكثر قسوة على بعض أهل الأدب الذين ينظرون إلى هذه اللعبة بعين الاستخفاف والاحتقار على اعتبار أنها لعبة عبثية يركض اللاعبون فيها خلف جلد منفوخ ليتقاذفوه في كل الاتجاهات إلى حد الإنهاك· وما يزيد من وطأة أسى الأدباء وغربتهم ما يلاقونه من إدبار عن ''مراوغاتهم'' الشعرية والسردية بينما يحظى لاعبو كرة القدم بكل أنواع الاحتفاء والتقدير والتبجيل· ففي الوقت الذي لم يستطيع أكبر وأهم كتاب وشعراء العالم من جمع مئات المعجبين لمتابعة قراءاتهم تمكن اللاعبون - بلا عناء - من استنفار آلاف المتفرجين بل عشرات الملايين منهم عبر مختلف بلدان العالم· من جهة أخرى، ولتبديد الصورة النمطية عن عزوف الكتاب عن هذه الرياضة التي أصبحت حاليا ''معشوقة الجماهير'' نجد بعض المؤلفات التي نقلت لنا أخبارا وشذرات متفرقة عن مشاهير أغرموا بهذه اللعبة الآسرة وضمن هؤلاء المهوسين نجد صاحب كتاب ''الأمير'' نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي الذي كان لاعباً ممارساً بينما كان ليوناردو دافنشي مشجعاً متحمساً· أما ألبير كامو فقد برع كحارس لمرمي فريق جامعة الجزائر· وفي ذات المركز (حارس مرمى) لعب الشاعر الروسي الشهير يفغيني ألكسندروفيتش يفتوشينكو إلى أن أضحى نجماً رياضياً معروفا في تشكيلة فريق ''سيما'' بمنطقة سيبيريا· لقد كان يمضي الليل في كتابة الأشعار ويقضي اليوم في صد ضربات الجزاء مرتميا في الملاعب والساحات العمومية ليعود في آخر اليوم مدمى الركبتين ممزق الملابس· أما الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش فلقد اعترف بأنه يجد متعة كبيرة في متابعة مقابلات كرة القدم حيث وصفها ب ''أشرف الحروب''· لقد اهتم في الغرب الكثير من الفلاسفة والكتاب بكرة القدم فأولوها اهتمامهم وأدلوا بتصريحات فيها وعنها ومن بين هؤلاء الفيلسوف الفرنسي الشهير جان بول سارتر الذي استخلص فكرة عميقة عن تأثيرها وطريقة أدائها حيث رأى أن ''كرة القدم هي مجاز الحياة''· وفي ذات السياق، اعتبر صاحب أشهر وأهم قصيدة شعرية في العالم الغربي، كاتب أرض الخراب الشاعر تي· إس· إليوت أن ''كرة القدم هي العنصر الأساسي في الثقافة المعاصرة''· ومهما يكن فإنه ليس من الغلو اليوم القول بأن رأس ميسي أضحت أهم من رأس الحلاج وأن يد دييغو مارادونا (يد الله) وتيري هنري قد أصبجتا أشهر من أيدي كافة الكتاب في كافة أنحاء العالم· لقد تغيرت الأزمنة وتغيرت معها القيم مما يستوجب الاعتراف بسطوة هذه الكرة التي بقليل من الهواء أضحت تكفي ملء رئات كافة سكان المعمورة بالفرح و أكسجين الحبور· حقا، لقد اكتسحت هذه اللعبة جميع الأصقاع وبلغت نتائجها كافة الأسماع وتسللت أسماء أبطالها إلى مسامات حياتنا إلى حد أصبح تجاهلها مستحيلا·