هكذا تكلم القدماء وقد صدقوا··· نعم، ''كل شيءٍ منذورٌ للموت إلا ما كُتب'' ··· وهذا ما علّمتنا إياه لعبة الكتابة منذ الحروف المسمارية الأولى والهيروغليفية والهيلينية وغيرها، حيث استطاع بشر ضعفاء قهر الزمن وعبوره واختراقه إلى لحظة الخلود المهيبة· لقد ارتقى الإنسان عرش الزمن بالكتابة فروّض أعتى وأقسى معطى في الحياة··· ذلك الحصّاد المجتهد الذي يسمى اعتباطا الموت! والموت لا يعرف عطل نهايات الأسبوع ولا يعترف بالمواسم ··· الموت فصل أخير على مسار طويل يضج بالهوامش والوهم والجنون· مسار يصنعه الأدب الرفيع بالانكسارات والعبقرية ليتغلب على سطوة الاضمحلال و المحو· وضمن طينة هؤلاء الذين استوعبوا الحياة في جوهرها وبعمق يأتي اسم الروائي العالمي خوسيه ساراماغو، صاحب رائعة ''العمى'' الذي غيّبه ''الحصّاد المجتهد'' مؤخرا· رحل إذن بعد أن خلّف للحضارة والثقافة الإنسانية ما يفوق الثلاثين كتابا في الرواية والشعر والمسرح وكتب الرحلات والنقد والمقالات المتنوعة· غادرنا هادئا - في معتزله الإرادي - تاركا وراءه كل ما يمنحه التجذر في الحياة وكل ما يخلّده في أذهان قرائه الذين أحبّوا حروفه وحرقتها اللذيذة· من هناك، سيظل يحملق فينا ليرى كيف ستبث حروف كتاباته فينا عدوى معاني الانتماء للعدالة والحرية والمساواة بين أبناء البشرية ··· سيذكرنا بواجب عدم التحفظ إزاء انتهاك قيم الحب والحق في العيش بسخاء وجمالية· أمثال هذا الرجل و هذا المبدع لا يموتون أبداً، بل من تحت التراب يبدأون حياة جديدة·