الولايات المتحدةالأمريكية سعت إلى رمي الكرة في الملعب الإيراني عندما وافقت على العرض الأوروبي، طهران وتسعى لإعادة الكرة إلى الملعب الأمريكي بوضع مقترحات قد تم تقديمها في مجموعة الثماني التي عقدت في روسيا عام 6002، لكن المهم بالنسبة لنا كدول عربية الآن، أين نحن كلاعبين من هذه المباراة؟ وهل سنكتفي بدور المتفرجين لنفاجأ بأن المنطقة العربية جرى تقسيم نفوذها؟· ويبدو أن الموقف الأمريكي الحالي الساعي للتفاوض مجرد تغيير تكتيكي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأسباب عديدة أولها ضعف الإدارة الحالية داخليا، وتزايد عدم الثقة لدى الشعب الأمريكي في اتخاذها القرارات الصائبة بعد الحرب على العراق وتزايد الانتقادات لهذه الحرب ونتائجها، وثانيها نجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كسب بعض التعاطف بع خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى الرئيس الأمريكي المنتخب حاليا رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية والدعوة للحوار بينهما، هذا مع موقف الصين وروسيا الرافض لفرض عقوبات أو اللجوء إلى الخيار العسكري في المرحلة الحالية على الأقل، مع نجاح الجمهورية الإسلامية في تقوية مواقفها في المنطقة بتأثيراتها داخل العراق ومع حزب الله وحماس وانتهاجها خطابا مطمئنا للدول الخليجية والشرق أوسطية وتأكيداتها المستمرة على أن برنامجها النووي سلمي ولا يسعى للتحول إلى برنامج عسكري، هذا مع بدء فتح ملف إسرائيل النووي بقوة في المحافل الدولية والدعوة لانضمام الدولة العبرية لمعاهدة منع الانتشار النووي (شذخ) في إطار إقامة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، وكل ذلك لا يصب في مصلحة إسرائيل والولاياتالمتحدة، لذلك لجأت إدارة أوباما إلى التهدئة وإلقاء الكرة في الملعب الإيراني مجددا بالموافقة على الحوار وطرح مبادرة العصا والجزرة، كما أرادت بعض دول الإتحاد الأوروبي وتدرك الولاياتالمتحدةالأمريكية تماما أن إيران لن تتخلى عن حلمها بامتلاك التكنولوجيا النووية مهما كانت الضغوط، وأنها في النهاية سترفض تلك المقترحات مما يظهرها كدولة مارقة رفضت يد السلام الممدودة لها، وبالتالي يمكن لأمريكا حتى لو لم يوافق مجلس الأمن على فرض عقوبات أن تقوم، من جانبها، بخطوات تصعيدية وتشكيل تحالف دولي جديد يضم هذه المرة ألمانيا وفرنسا لفرض عقوبات، ثم توجيه ضربة إذا اقتضى الأمر على الرغم من أن أوباما وصف فكرة توجيه ضربة عسكرية بأنها خيال جامح إلا أن الجميع يدرك أن أوباما نفسه يمتلك مثل هذا الخيال دائما، فالأهداف الأمريكية واضحة حتى وإن أرادت إخفاءها، تريد إضعاف إيران وعدم بروزها كقوة إقليمية، كما تسعى إلى ذلك طهران بقوة عن طريق حرمانها من أي قوة نووية وزعزعة استقرار نظامها وعزلها دوليا· أما أهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهي تثبيت نفسها كقوة إقليمية كبرى في السنوات القادمة لها أياد ممدودة في المنطقة العربية (في سوريا ولبنان والعراق والأراضي الفلسطينية ودول الخليج بل وأفغانستان) بحيث تضطر الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وتركيا للإعتراف في النهاية بالأمر الواقع والتعامل معها كقوة نووية إقليمية لايستهان بها ليكون لها نصيبها في الكعكعة الشرق أوسطية، والكل هنا يحاول شراء الوقت لتغيير المعادلة لصالحه وتحقيق أهدافه· الجمهورية الإسلامية الإيرانية أدارت مبادرتها الدبلوماسية بنجاح حتى الآن حيث قامت، وفي الخفاء، بإرسال مبعوثين رسميين وغير رسميين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإرسال رسائل الى إسرائيل، وهناك حتى اتصالات خفية قد تمت بين إيران وإسرائيل إلا أن هناك أزمة ثقة كبيرة وكبيرة جدا لاتزال بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة وأن إيران ساعدت في موضوع تشكيل مجلس الحكم في أفغانستان منذ 8 سنوات، وبعدها مباشرة أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية محور الشر الذي يضم إيران وكوريا الشمالية والعراق، وتبدو أزمة عدم الثقة واضحة في تصريحات زعماء إيران منها قول أحدهم أن تهديدات الغرب للجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل ترويع بطة لكي تهرب من الماء وهو أمر غبي للغاية، هذا في وقت ترى فيه أوروبا أن إيران تسعى بالفعل لامتلاك سلاح نووي لفرض سيطرتها الإقليمية مما سيجعل أمن واستقرار أوروبا نفسها محل شك· والسؤال الذي يشغل بال رجالات السياسة في العالم اليوم هو من الذي سيسيطر على الشرق الأوسط في المستقبل، إيران أم الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ الجميع ينتظر الإجابة على هذا السؤال والمخاوف الخليجية والعربية تزداد، وقد أكدت بعض الدول العربية موقفها من الأزمة بضرورة عودة الملف النووي الإيراني إلى وكالة الطاقة الذرية ومباشرتها لدورها طبقا لصلاحياتها من ناحية والتزامات إيران كطرف بمعاهدة منع الانتشار النووي من ناحية أخرى، مع تأكيد هذه الدول على أهمية تفادي المواجهات والابتعاد عن التهديد بالعقوبات، وعبرت هذه الدول عن رفضها لما يطلق عليه ''الأبارتيد النووي'' أي تفضيل إسرائيل كدولة نووية فقط· بل هذه الدول ترى ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل وانضمام كل دول المنطقة إلى معاهدة منع الانتشار النووي بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، هذا في وقت ترى فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية أن التركيز كان في القرن الماضي على أوروبا، أما هذا القرن فهو قرن شرق أوسطي لأن التركيز سيكون على الشرق الأوسط الكبير الذي يؤثر على المصالح الأمريكية وأمن الشعب الأمريكي، وترى الولاياتالمتحدةالأمريكية أن إيران بما، لا يدع أي مجال للشك، تقوم بتطوير برنامجها النووي للحصول على سلاح نووي، مما يشكل تحديا مباشرا لكل ما تسعى أمريكا لتحقيقه في الشرق الأوسط الكبير وسيكون له تأثيرا على الأمن الأمريكي وأمن أصدقائها (بلدان الخليج) وحلفائها في الشرق الأوسط الكبير، وأن هناك حاجة أمريكية وأوروبية وبمساعدة دول أخرى للتدخل بقدر ما تستطيع من الإيرانيين في الداخل المؤمنين بأهمية الديمقراطية وإحلالها في بلادهم، هذا في وقت تسعى فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية لبناء تحالف دولي وإعطاء فرصة للمفاوضات بدون حل، وهو ما جعل الولاياتالمتحدةالأمريكية تقوم ببناء تحالف مع الصين وروسيا والهند وأوروبا لعزل إيران دبلوماسيا واستخدام الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن للضغط على الحكومة الإيرانية وإصدار قرارات طبقا للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة· ويبقى السؤال المطروح اليوم هو: هل تنجح إيران في كسب المباراة والإفلات من العقوبات واحتمالات ضربة عسكرية وتأكيد دورها كقوة إقليمية وتثبيت أوضاعها في العراق ولبنان وسوريا والخليج وفرض الأمر الواقع، وإجبار أمريكا على التعامل بواقعية والوصول معها إلى صفقة معينة بنظام المقايضة لربط الملف الإقليمي بالملف النووي، الإجابة سهلة خاصة وأن هناك محاولات إيرانية لشراء المزيد من الوقت وحتى الحصول على سلاح نووي خلال السنوات القليلة القادمة، فإيران تملك ورقة تهديد للولايات المتحدةالأمريكية تتمثل في الخط الأخضر في العراق ووقف الملاحة في مضيق هرمز الذي يمر عبره 40% من بترول العالم، مما سيتسبب في ارتفاع سعر برميل البترول إلى 300 دولار وتخريب الاقتصاد العالمي، خاصة إذا تحالفت معها دول مثل فنزويلا والصين وروسيا·