أضحت مناطق بأكملها بولاية البويرة معزولة تماما عن العالم، بعدما كانت إلى وقت قريب ممرا إجباريا لآلاف الجزائريين الذين يعبرون هذه المناطق لبلوغ ولايات أقصى شرق الوطن، وحتى التراب التونسي، فالبويرة ظلت إلى غاية 2008 همزة وصل بين أكثر من سبعة ملايين مواطن يقطنون بولايات الشرق وباقي مناطق الوطن، إلى أن جاء مشروع الطريق السيار شرق - غرب، الذي حول حياة السكان إلى جحيم، خاصة بالنسبة للتجار وأصحاب المحال التجارية حيث أصبح نقمة أثرت على مصدر رزقهم وحولت حياتهم إلى جحيم· اختفت الحركة المعهودة بمناطق ''محطة عمر والقادرية وبشلول'' الواقعة بولاية البويرة وأضحت الأخضرية تنتظر استكمال شطر الطريق السيار الذي سيعبرها لتلتحق بركب ''التخلف'' والعزلة التي دخلتها المناطق السالفة الذكر، وأصبح أكثر المتضررين من هذا المشروع أصحاب المطاعم ومحطات الخدمات الذين يعتبرون المشروع ''نقمة'' على المنطقة، في ظل غياب محولات تقودهم أو تدخل العابرين للطريق السيار إليهم، وأصبح هؤولاء يحنون للطريق الوطني رقم 5 الذي يربط العاصمة بولايات الشرق والذي اشتهر بحيويته باعتباره معبرا رئيسيا يشهد يوميا مرور حوالي 40 ألف مركبة· القادرية ·· أولى ضحايا الطريق السيار تعتبر بلدية القادرية التي تربط بين الأخضرية ومحطة عمر أولى المناطق التي راحت ضحية لمشروع الطريق السيار، فالمواطنون الذي يتنقلون إلى شرق البلاد كانوا يمرون عبر هذه الولاية ويتوقفون بها لقضاء حاجياتهم، حيث نشأ حميمية بين مستعملي طريق القادرية وأصحاب المطاعم الذين اعتادوا على زبائنهم طيلة السنوات الماضية، وإذا كانت القاعدة عند التجار تقول بأن الزبون هو الملك، فعند هؤلاء المسافر هو الملك، لأنه يكاد يكون مصدر رزقهم الوحيد سواء تعلق الأمر بالمسافرين على متن الحافلة أو سيارات الأجرة أو الشاحنات أو السيارات الخاصة· وقد تطورت هذه العلاقة الحميمية إلى حد الاتفاق بين الطرفين، كما هو الشأن مع سائقي الحافلات الذين أبرموا عقدا معنويا مع أصحاب المطاعم، يقضي بضرورة تقديم عناية خاصة لسائق الحافلة ومساعده، حيث تقدم لهما الوجبات مجانا وأحيانا في قاعة خاصة· اليوم احتفى كل ذلك ودخلت القادرية في عداد المناطق المهجورة وكأن عاصفة مرت بها .. والسلطات التي وعدت بتخفيف أعباء الضرائب عنهم بسبب الخسائر التي لحقت بهم لم توف بذلك كما يذكره السيد ''بلقاسم'' وهو صاحب مقهى ومطعم بالقادرية، حيث أكد أن السلطات أخلفت وعودها وأن التجار لا يزالون يدفعون نفس الأعباء الضريبية التي كانوا يدفعونها قبل عام 2006 تاريخ الشروع في إنجاز الشطر الخاص بالسيار المار بالقادرية· المشكل حاليا يكمن في أن هذه الحميمية زالت، لأن الطريق السيار دخل حيز التشغيل، وبالتالي وقع الطلاق كرها بين الإثنين، والكارثة كانت كبيرة بالنسبة للمطاعم ومحطات الخدمات، خاصة تلك التي تقع في مناطق همشها الطريق السيار ولم تستفد من محولات تسمح للمسافرين بدخولها· مطاعم أغلقت في محطة عمر ·· وبشلول تضاعف تخلفها إضطرت عشرات المحال التجارية المتخصصة في بيع الهدايا من أواني فخارية وتذكارات خاصة بالمنطقة التي كان يقبل عليها الجزائريون بشكل كبير لا سيما أواني الطهي التقليدي، إضطرت لغلق أبوابها بصفة نهائية بسبب الطريق السيار الذي خطف منها زبائنها، فمناطق عمر وبشلول، كانت تضم مطاعم مشهورة يقصدها المسافرون وتتوقف بها الحافلات، لكن اليوم انسحبت من الساحة وبعضها لجأ إلى نشاط آخر· حيث يؤكد ''سعيد'' من بلدية محطة عمر أن المنطقة كانت تستقبل يوميا العشرات من أصحاب الحافلات والمئات من السيارات، وكان التجار يضطرون للتسوق يوميا واقتناء مختلف السلع التي ينفذ أغلبها خلال يومين كأقصى تقدير، أما اليوم فإن أغلب التجار يتسوقون مرة في الأسبوع وأضحت شاحنات توزيع المواد الغذائية غائبة عن محطة عمر· وبخصوص ذلك أكد لنا أحد أصحاب المطاعم ببشلول، أهنم يأملون أن يتم فتح محولات تودي إلى منطقتهم، فالمحولات هي شريان الحياة بالنسبة لنا، ومن ليس له محول ما عليه إلا أن يحول نشاطه. وقد تأكدنا خلال رحلتنا عبر الطريق الوطني رقم 5 أن بعض المطاعم جمد نشاطها فعلا، وامتد ذلك إلى بعض المحطات التي علقت كل شيء وتوقفت عن تقديم مختلف الخدمات، وكما قال أحدهم ''لم يبق لنا مكان في هذا الطريق''· حتى الميكانيكيون ومصلحو العجلات تضرروا هذه الوضعية لا تعني أصحاب المطاعم فقط، حيث مست كذلك العديد من التجار كأصحاب ورشات الميكانيك وكهرباء السيارات وتصليح العجلات وحتى أصحاب الأكشاك، فكل هؤلاء دخلوا في عطلة غير مدفوعة الأجر، فرضها عليهم الطريق السيار الذي ألحق بهم الضرر رغم أن فائدته شملت آخرين، فالمئات من المواطنين كانوا يقصدون البويرة ومناطقها لتصليح الأعطاب التي تلحق بعرباتهم، والكثير من سكان بشلول والقادرية قاموا بفتح محال لبيع قطع غيار السيارات وحتى الأطفال الذين يغادرون مقاعد الدراسة أصبحوا يختارون شعب الميكانيك وتصليح العجلات ومطلات دهن السيارات كتخصصات يتكونون فيها مهنيا· الأخضرية ··· نكبة في انتظارها لم يتبق من الجزء الخاص بالطريق السيار شرق غرب بشرق البلاد سوى منطقة الأخضرية، بسبب تضاريس هذه المنطقة الوعرة، وكون المنطقة تحتضن أكبر المنشآت الفنية الكبرى الخاصة بمشروع الطريق السيار، والأصل أن المنطقة عانت كثيرا من ويلات العنف الإرهابي لسنوات عديدة، ورغم ذلك فإنها تعتبرا ممرا رئيسيا لكل المتوجهين إلى منطقة الشرق، فهي تستقبل يوميا آلاف المواطنين، وفي انتظار استكمال الجزء الخاص بالبويرة، فإن المواطنين يستعدون للدخول في بطالة مقنعة أو قد يجبر الشباب على الهجرة وترك منطقته المنكوبة أصلا، فالعائلات بالأخضرية تقتات فقط من نشاطات هذا الطريق، أما في حال إنجاز وإتمام الشطر الخاص بها، فإنه ستضطر للبحث عن وسائل أخرى للعيش وهنا يؤكد الطفل ''جمال'' (13 سنة) أن عائلته تقتات من الفلاحة وبيع المنتجات الفلاحية التي تجنيها من حقلها كالتين والتين الهندي صيفا، وفي الشتاء يتم بيع ما يتم زرعه من مختلف الخضروات .. ويتخوف جمال كثيرا من المستقبل. أما ''نذير'' وهو بائع خزف بالأخضرية، فقد أكد لنا أنه يأمل أن يتم فتح مطاعم وفنادق بالمنطقة قصد جذب السواح على اعتبار أن المنطقة تمتاز بمناظر طبيعية خلابة، وبإمكانها أن تتحول إلى قطب سياحي كما هو الحال بالنسبة لمنطقة الحمدانية بولاية المدية· ''البركة'' في المناطق الصناعية لإنقاذ المنطقة يأمل الكثير من مواطني وسكان هذه المناطق أن تفي السلطات العمومية بوعودها من خلال تجسيد مشروع المناطق الصناعية على حواف الطريق السيار شرق غرب، خاصة وأن المنطقة تفتقد للمعامل ومصانع التشغيل الكبيرة قصد امتصاص البطالة، علما أن برنامج رئيس الجمهورية للعهدة الحالية يتضمن إنجاز مناطق نشاط ومناطق صناعية على محور الطريق السيار، فعدا مصنعين للخزف بمحطة عمر واحد ملك لعائلة تامزاليت الآخر لرئيس فريق نادي بارادو زطشي خير الدين، واللذان يوفران بضعة مناصب شغل، فإن المنطقة فقيرة ولا تملك معامل أخرى رغم الإمكانيات الطبيعية التي توفرها شساعة المنطقة، كما يأمل سكان البويرة أن يتجسد مشروع رجل الأعمال يسعد ربراب في المنطقة، خاصة وأنه سيخلق خمسة آلاف منصب شغل حسب عدد من السكان الذين التقيناهم بالمنطقة·