مع تراجع قيمة آلات التصوير القديمة، انتشرت في السوق الجزائرية، كاميرات للتصوير الفوتوغرافي ذات الاستعمال الواحد، مبنية على الاحتيال، وبالموازاة مع ذلك بدأت قيمة الصورة الفوتوغرافية كفن في انهيار مع استيلاء الهواة عليها أصبح التصوير ''مهنة من لا مهنة له''·· عندما كان (ح· ن) في رحلة سياحية قادته من الجزائر إلى أم البواقي بالشرق الجزائري، لم يرد تفويت فرصة رؤية المناظر السياحية التي سحرته، وهو في الأصل من هواة التصوير الفوتوغرافي· وعندما كانت كاميرته الرقمية الصغيرة معطلة، فقد اضطر لشراء كامرتين للاستعمال الواحد، بمبلغ 250 دينار جزائري لكاميرا الوحدة، وأخذ في حسابه أن كل كاميرا بإمكانها أخذ 36 صورة، فإنه سيعود من هناك بحوالي 60 صورة جيدة على الأقل· وكانت إحدى الكاميرتين مزيّنة بصورة لبعض نجوم المنتخب الوطني مثل مطمور وزياني وبلحاج... وغيرهم، والأخرى ذات مضطر بسيط· وبعيدا عن الشكليات اصطدم (ح· ن) بتوقف الكاميرا الأولى عند الصورة السادسة، ويبدو أن الثلاثين صورة الموعودة قد ضاعت، واعتقد أن الأمر يتعلق بمجرد خلل تقني، وسرعان ما يستمر في التصوير، لكن أمله خاب، وعندما أراد فتح الكاميرتين وجد الأولى محكمة الإغلاق ولا تفتح إلا عن طريق الكسر. أما الثانية، فعند فتحها وجدها مغلفة بلاصق، ويبدو أن بعضهم أعاد استعمالها بطريقة يدوية، ومن هنا بدأ يقتنع أنه تعرض لعملية احتيال من قبل باعة الكاميرات ذات الاستعمال الواحد الموجودين في بعض الأماكن السياحية، وعند شواطئ البحر على وجه الخصوص· وبعد أن اقتنع أنه ذهب ضحية احتيال، بدأ يسأل نفسه ويتساءل: هل المشكلة في الصناعة الصينية رخيصة الثمن التي تُغرق السوق، أم في التاجر الجزائري الذي يبدو -حسبه- أنه أعاد استعمال سلعة قديمة، فالكاميرات تكسر عند نهاية استعماله ويلجأ هؤلاء إلى إعادة ملئها ب ''كليشي'' جديد وتغليفها ب ''الشترتون'' مثلما هو الحال مع الكاميرا التي معه· رغم أن السلعة التي معه كانت مغلفة بشكل جيد وعليها اسم المستورد وعنوانه المفترض· ويؤكد أن شكل الكاميرا الكبير والجذاب كان قد أغراه في البداية، وأغراه أكثر سعرها الذي لا يتجاوز ال 250 دينار جزائري، ولم يكن يعلم أن بإمكانه استعمال أكثر من 6 حالات تصوير لا أكثر، وكأن مروّج ذلك النوع من الآلات قد منح هدية باليد اليمنى ليستردها باليد اليسرى أو هي عملية احتيال كاملة باختصار، فالكاميرا في الأصل مصنوعة خصوصا لتتوقف عند اللقطة السادسة، ويضيف (ح· ن) أنه عندما ذهب إلى صاحب أستوديو للتصوير، أكد له أنه ليس أول ولن يكون آخر ضحايا الاحتيال من هذا النوع، وكل الكاميرات ذات الاستعمال الواحد تتوقف بين اللقطة السادسة واللقطة العاشرة في أحسن الأحوال· احتيال مدروس اقتصاديا يرى (فضيل· ح) وهو مصور فوتوغرافي محترف، أن العملية مدروسة جيدا ويتواطأ فيها المستوردون الجزائريون مع المصدرين الصينيين، فعوضا عن صناعة آلة تصوير بسعر 1000 دينار مثلا في حدود 36 لقطة، وحرصا على الحفاظ عن البقية الباقية من زبائن الصورة الفوتوغرافية التماثلية ما قبل الرقمية، فإنهم يعمدون إلى ذلك الحل وهو احتيال حقيقي، لأنهم يعلمون بأن زبائن الصورة التماثلية القديمة في تناقص مستمر· ويرجع تاريخ انتشار هذه الحيلة إلى حوالي خمس سنوات مضت، ويقول إن الأمر كان بمناسبة سقوط كميات من الثلوج في محيط الجزائر العاصمة، ''ساعتها أصبح هذا النوع من الآلات ذات الاستعمال الواحد مفقود تماما في السوق، من شدة الإقبال عليه من طرف الكثير من الناس الذين أرادوا تأريخ ذلك الحدث الذي لا يتكرر كثيرا، ومن هنا تفطن الباعة إلى حيلة يتم بموجبها تقسيم ''الكليشي'' الواحد في عدة كاميرات''، ويعيد ليؤكد أن الأمر أصبح بعد ذلك بمثابة شيء متعارف عليه، فالكاميرا التماثلية ذات الاستعمال الواحد سوقها كاسدة ومعظم الناس أصبحوا يلتقطون صورا عن طريق كاميرات رقمية صغيرة والكثير منهم يلتقطها عن طريق الهاتف النقال مهما كانت رداءة صورته· ولا مجال لبيع آلات التصوير ذات الاستعمال الواحد إلا في بعض الأماكن السياحية لزبائن لا يعرفون سر هذا الاحتيال، أو إلى من أجبرته الظروف على شراء مثل تلك الآلات لحالته الملحة إليها· الاحترافية أول ضحايا الثورة الرقمية ولعل أكبر ضحايا التطور الهائل في التصوير الفوتوغرافي، والثورة الرقمية المتواصلة في هذا المجال، هم المصورون المحترفون أنفسهم، فقد أتاحت التكنولوجيا الفرصة للجميع بأن يكون مصورا وأصبحت مهنة المصور الفوتوغرافي في الأعراس ''مهنة من لا مهنة له''، ويستعيد المصور الفوتوغرافي المحترف (فضيل· ح) ذكرياته، ويقول إنه في الأعراس كان الأمر يتم بتوجه صاحب العرس إلى أستوديو معروف للتصوير ليتكفل صاحبه بإيفاد مصورين إلى العرس بكل مراحله مقابل الاتفاق على سعر معلوم، حتى تتم عملية التحميض وطبع الصورة على الورق في الأستوديو نفسه، لكن الأمر بدأ يتغير بعد ذلك، فقد أصبح بعض المصورين مثلا يضعون إعلانات في أماكن مختلفة في الجرائد مثلا أو أن يكون المصورون معروفين في محيطهم باحترافيتهم وسمعتهم الطيبة، أو عن طريق بطاقات الزيارة التي يوزعها المصور في مناسبات مثل هذه وتتسع مع مرور الزمن دائرة زبائنه· نحن لا نملك ثقافة الصورة يؤكد بعض أصحاب الاستوديوهات أنه، ومع ظهور الصورة الرقمية وتطورها بسرعة واكتساحها السوق، تغيرت المعطيات جذريا، وفقد المصور المحترف مكانته القديمة، وأصبح الكثير من أصحاب الأعراس يعتمدون على مصورين غير محترفين، وعلى مصورات غير محترفات في الكثير من الأحيان، لأسباب اجتماعية أولا واقتصادية بالدرجة الثانية، فالمصور المحترف في السابق كان يقوم بتصوير العرس كاملا ب 10 آلاف دينار أو أكثر بقليل أو أقل قليلا، وهناك بعض الأعراس كانت تكلفة التصوير فيها تصل إلى حد ال 20 ألف دينار، وربما أكثر حسب اسم المصور المحترف وقيمته في السوق وسمعته بين الناس. أما مع المصورين غير المحترفين، فإنهم يكتفون في الوقت الحالي، بمبلغ قد لا يتجاوز ال 3000 أو 4000 دينار في أحسن الأحوال، ومن هنا لا يجد المصور المحترف نفسه في موضع المنافسة الشريفة، وفقدت الصورة الفوتوغرافية قيمتها الفنية القديمة وتدنى المستوى أكثر فأكثر مع مرور الأيام، ومن سخرية الأقدار أن التكنولوجيا في هذا المجال تطورت، إلا أن عموم الناس عندنا لست لهم ثقافة صورة. وحسب أحد المصورين، فإن الصورة في الجزائر ''مناسباتية''، يريد الناس من خلالها الوقوف عند بعض المحطات المهمة في حياتهم ولا تهمهم إطلاقا الصورة كفن، وتدني المستوى أكثر فأكثر، وقد أصبح هذا العصر عصر هواة بامتياز، ولم يعد للمحترفين مكان في عالم الصورة الرقمية الجديدة· تصوير عرس بالبورتابل مع تسارع التطور التكنولوجي في مجال صناعة الصورة، لم يعد الناس في الكثير من الأحيان في حاجة إلى أي مصور مهما كانت القيمة المادية التي يطلبها، فعن طريق الآلة المصاحبة للهاتف النقال أصبح الكثير من أصحاب الأعراس يقومون بالتصوير الفوتوغرافي وحتى التصوير بالفيديو عن طريق البورتابل، والأمر مرشح للتطور أكثر في هذا المجال، وسيأتي يوم يصبح فيه تصوير العرس لا يكلف صاحبه شيئا، وبالمقابل لن تصبح لتلك الصور أي قيمة فنية، مع انحسار دور المحترفين ضحايا الثورة الرقمية·