الموت حرقا، هي الوسيلة التي بات يفضلها الجزائريون للانتحار تنديدا بانسداد الأفاق، فقد كشفت دراسة قامت بها مصالح الدرك الوطني أن السداسي الأول من السنة الحالية شهد 274 محاولة للانتحار من بينها 164 تم تنفيذها، مع العلم أن 120 من المنتحرين من الرجال، أما البقية من النساء· هذه الحالات التي يصفها الخبراء بالخطيرة على اعتبار أنها تسجل تزايدا مستمرا من سنة لأخرى· وقد بات أكيدا أن البطالة في مقدمة أسباب الانتحار، مثلما خلصت له الدراسة المنجزة من طرف الدرك الوطني والتي أشارت إلى أن حوالي 100 حالة انتحار أقدم عليها شباب بطال، غير أن الحديث عن الانتحار حرقا لم يحض بالدراسة المعمقة، على اعتبار أنها ظاهرة جديدة· في هذا السياق يشير الدكتور نصر الدين حماميد، مختص في علم الاجتماع بجامعة الجزائر إلى أن ''الانتحار حرقا له دلالات سياسية وعقائدية، على اعتبار أنه عرف عبر التاريخ وفي العديد من الثقافات على أنه وسيلة قصوى للتنديد بوضع ما، حيث أن تشويه الجسد وتعريضه للألم طريقة متطرفة في التعبير عن الاحباط واليأس، ويبدو أن هذا ما يقوم به الشباب الجزائري الذي لم يجد من قنوات أخرى غير جسده للتعبير عن اليأس''· في ذات السياق، أكد المتحدث أن الدراسة التي قامت بها مصالح الدرك الوطني إنما تكشف مدى خطورة الظاهرة، وبالرغم من ذلك يستمر التعامل معها على أنها من المحرمات التي لا يحبذ التطرق لها من منطلق الحكم الديني في مفهوم المجتمع الذي ينظر للمنتحر على أنه فاقد للإيمان، بل إن هناك من يعتبر أن الصلاة على المنتحر غير مشروعة· في حين يؤكد دكتور علم الاجتماع أن الانتحار حالة مرضية لا بد من التعامل معها من هذا المنطلق من أجل إنقاذ كل من يعاني من انحصار الأفاق والتركيز على الحالة النفسية التي تجعل من شخصيته هشة· الجدير بالذكر أن الاحصائيات المجمعة من طرف مصالح الأمن والصحة سنويا تفيد بأن الجزائر تشهد ما يقارب من 10 آلاف محاولة انتحار، مع العلم أن حوالي ألف ينجح في تنفيذ عملية الانتحار، الأمر الذي يجعل الخبراء النفسانيين والاجتماعيين يؤكدون على أن محاولات الانتحار إنما هي في واقع الأمر نداءات استغاثة تدعو من يأخذ بيدهم قبل وقوع الخطر الأكبر·