قالت الشاعرة ''سليمى رحال'' ذات مرة: (المتخلّف مهما كان حبّه كبيرا يظل يتصرّف مع من يحبّ بتخلّف، ليس هذا فحسب بل إنه يؤذيه بالحب)· وجال بذهني ما يلي: في لهجتنا لا توجد كلمة أحبك·· بعضهم يقول (نبغيك)· فلان ''بغا'' فلان· أي أحبّه، وفلان ''بغا'' من فلان كذا··· أي أراد منه كذا·· في الواقع إن ''نبغيك'' تعني أريدك·· مع تعديل طفيف في المعنى إذا تعلّق الأمر بالحب· بعضهم يقول ''نشتيك'' وهي تعني (أشتهيك) والفعل هنا مرتبط بالشهوة· لهجتنا لا تسمح بوجود تعبير عن الحب، والحب يموت إذا لم نعبرْ عنه بالكلمات والقبل والهدايا وما إلى ذلك·· لاحظت أيضا أن لهجتنا خالية من كلمة أرجوك· إن قاموس التّوسل غائب لدينا· قد يموت الواحد منا ولا يترجى حبيبته· أرجوك تقابلها'' ''تعيشي'' أو ''يعيشك'' أو ''ربي يخليك'' أو ''يرحم بوك''، أو ''وراسك''··· وما إلى ذلك·· يوجد فقط (يااااااااو) وهي تعني يا أنت· قد يسقط فكّ أحدهم إذا توسّل لحبيبته، وقد تصاب إحداهن بالأنيميا إذا وجدت رجلا يتوسّل إليها·· فتقول في سرّها ''إنه ليس من طينة الرجال الأشدّاء على النساء، فقد أتى بما لم يأت به أحد من قبل، والله إنه لمن الظالمين'' وهكذا تمعن في فهمها الخاطئ لمشاعره· *** وقلتُ ل ''سليمى رحال'' حسنا سأكتب مقالا في هذا الموضوع، ولكنني سأستعير جملتك، فرحبّت هي بذلك· دائما آخذ من ''سليمى'' الرائعة أشياء رائعة، لكنني لا أجد فرصا لأقدم لها أبسط تعبير عن صداقة شفافة دامت أكثر من 20 سنة· شكر ''سليمى''·· إنني في الواقع تحدثت عن أصل الكلمة ولم أقم بتفصيحها· (نشتيك) لا بد أنها استخدمت أول مرة بمعناها الأصلي (أشتهيك)· أما (يعيشك) فهي لا تعدو أن تكون تمنيا بطول الحياة· يقال ''يعيشك'' وتعني أرجوك، ونقول لفلان ''بصحتك'' فيرد علينا ''يعيشك''، وهنا تتغير دلالة الكلمة لكنها تحتفظ بمعناها الأصلي (التمني بالعيش أو طول الحياة)· (وراسك) هي في الواقع قسم· يقول أحدهم ''وراسك سأفعل هذا''· وقد يقول (وراس ربي)؛ هنا تتغير الدلالة أيضا، لكن العبارة هي قسم بالرأس، والرأس رمز الحياة والبقاء (البركة في راسك) (سلامة راسك) والأمثلة كثيرة· في الانجليزية please تعني رجاء، لطفا، لو سمحت· ونقول pleasur وتعني الرضا والمتعة والسرور، الواحدة مشتقة من الأخرى· يمكن أن نستعمل فعل (please) فيكون بذات المعنى لاسم (pleasur) وهذا يعني أن الكلمتين تربطان بين الرجاء والسرور· إن اللغة ليست وسيلة تواصل فحسب، إنها أساس نظام التفكير·· في المنطقة التي أعيش فيها يقال للطفل ''أراوح نحبك'' أي (أبوسك)· وتقول المرأة ''حبني من فمي'' وهي تقصد ''قبلني من فمي''· إن هذا ليعني الكثير حقا!·· في طفولتي كنت أعتقد أن مصدر فعل ''يُربي'' ليس (من التربية) إنما هو (التربيت) أي التمسيح باليد؛ على ظهر القطة أو الأرنب أو أي حيوان لطيف· فكنت أقول: ''إن فلان يربي القطة ولا يغسل يديه''· وعندما يمسح أحدهم على ظهر القطة وتستلطف القطة هذا يكون في نظري قد ربّاها· إنها مجرد كلمة في قاموسي الشخصي الطفولي· حتى هذه اللحظة أداعب فرو القطة وفي ذهني أنني أربيها·