لم تفوت الصحافة فرصة الحديث عن ''نفس جديد'' في المسرح الجزائري· لم تمر مسرحية ''أمباسا'' التي كانت مأخوذة من التراث المسرحي العربي باللغة الفصحى، مرور الكرام· ولا أنا، لأول مرة أقرأ بعض السطور خصصتها بعض الصحف عنّي· كان البعض يرى أن أدائي لا بأس به، آخرين اعتبروا أني أتدبر أمري و''قادر على أداء ما يطلب منّي''، كان الناس بدأوا يتعرّفون عليّ في الشارع، سيما المتعودون على الجلوس بمقهى ''طونطونفيل'' المحاذي للمسرح· كأن البعض يبادر الحديث بقوله: ''كان الأداء البارحة جيدا''، في تلك الأثناء أدركت أن المخرج أقدم على مغامرة من خلال منحي أحد الأدوار الثلاثة الرئيسية في المسرحية، أنا الذي كنت دون خبرة كبيرة وغير معروف· لقد وضعوا ثقتهم فيّ وآمنوا بموهبتي· بعد نجاح مسرحية ''اللاخمي''، أتذكر أنني لعبت في مسرحية غنائية بعنوان ''الرحيل'' كتبها دردور -رحمة الله عليه- حين كان يشغل منصب عنابة· قدمنا المسرحية مرتين أو ثلاثة لا أكثر· بعد حصولي على أحد الأدوار الثلاثة الرئيسية في أولى مسرحياتي، كنت أعتقد أن كاتب سيمنحني دورا أكثر أهمية في العمل المقبل، لِمَ لا الدور الرئيسي· أيام بعد ذلك يقرر المسرح الوطني الجزائري التحضير لمسرحية جديدة، كان الأمر يتعلق ب ''الخالدون''، لبوعلام رايس· تم توزيع الأدوار، لم أجد لا اسمي ولا دور خاص بي، لا شيء· لم يكن اسمي مدرجا· كان الطاهر العميري يؤدي دور السي قدور، من جهته حصل الحاج عمر على دور، كانت كل الفرقة تقريبا مشاركة في العرض الجديد سواي أنا· يومان قبل البدء في التدريبات تم استدعاؤنا أنا، بوزيدة ومعروف وممثل آخر· كنا ''صغار'' الفرقة· بادرنا بشكل جدي مثلما كانت عادته: ''اسمعوا ستقومون بأدوار صامتة بشكل ذكي، قصة المسرحية تدور حول تحضير المجاهدين لعملية ضد المستعمر، ومن المنتظر منكم أن تؤدوا دور المترصدين'' في الواقع كان مطلوبا منّا تأدية أدوار بالكاد مرئية بفضل خدع بصرية ضوئية، فالأدوار التي نقدمها أقرب للظلال في خلفية ديكور المسرح· شعرت حينها أن الأمر انتقاصا لنا، في الواقع لم أفهم جيدا· لم أندد ولم أتقدم بأي نوع من الشكاوى أو غيره، فمن أكون أنا لأطلب من مصطفى كاتب شروحات· فيما بعد أدركت المعنى الحقيقي، فقد أراد أن يوصل لي فكرة دون أن يضطر لأن يقولها بالكلمات: ''عد لأرض الواقع، في المسرح ليس هناك أدوار صغيرة، هناك ممثلين صغار''، تلقيت درسا مهما على يدي كاتب في المهنة، فالمسرح عمل جماعي، لكل واحد مهمة يقوم بها والأدوار الصغيرة غالبا ما تكون هي الأصعب في الأداء·· أفضل الممثلين وحدهم القادرين على تأديتها· كل من عرف مصطفى كاتب عن قرب يدرك أنه ليس من النوع الذي يطرد الأشخاص· لم يكن مجرد مدير مسرح، كان بالنسبة لكل من يرغب في التعلم وفهم الأمور معلما عبقريا· التربية والتعليم المسرحيين اللذين تلقيتهما على يدي كل من مصطفى كاتب في المسرح وونيش في الإذاعة جعلوني أدرك وأتعلم أنه لا يمكن أن أطلب من المخرج أي دور··· أبدا·