ها قد مر شهر رمضان، شهر التفاعلات الاجتماعية المختلفة·· وشهر العبادات الدينية المختلفة أيضا، ومهما قلنا عن فضائل هذا الشهر، فإننا لا نفيه حقه، ومهما قلنا عن ميزان الخير والتوبة والعصيان، فإنه لا يمكننا أن نأتي على ذكرها في أسطر أو كلمات·· فقد قيل في هذا الشهر الكثير والكثير دينيا وبشريا واجتماعيا ودعويا، كما أن ما لم يقل فيه كثير وكثير وكثير··؟ فإذا ما تعمقنا في الخطاب الديني، فإننا نجده خطاب ما قبل القرن الرابع عشر، أي خطاب النبوة عندما كان الهدف من الوعظ هو الدعوة لركن جديد قد فرضه الله، وبالتالي فالدعوة هنا تقوم على إقناع الناس بالصوم، ولذا كان لابد من استعمال جملة ''الصوم هو إحساس بالفقير والعمل على مساعدته··''، في حين نحن اليوم كلنا مسلمون والصيام فرض ونحن تقبلناه بتقبلنا لهذا الدين، لذلك فمن المفروض أن توجد طريقة أخرى للوعظ، وهو ما يمكن تسميته التجديد في طرح ومناقشة الفكر الإسلامي·· وإذا نحن كنا، كما أسلفت، مسلمين وآمنا بما جاء في ديننا الحنيف، فإنه علينا أيضا أن نؤمن بوجود الغني والفقير في مجتمعنا أي (الطبقية الاجتماعية)، لكن علينا في نفس الوقت، ومن سبل التقوى بهذا الدين هو مساعدة الغني للفقير، سواء كانت المساعدة المباشرة أو المساعدة المفروضة كزكاة الفطر، والزكاة على الأموال إلخ··· ومن هنا فإنه على أفراد المجتمع أن يؤمنوا بأن هناك طبقية اجتماعية هو ما يوجب النظر لواقع الحال الذي تعيشه مختلف الأسر، أي كل على حسب إمكاناته حسب ما أعطاه الله·· فإذا كنا مؤمنين بهذه الافكار الربانية والإنسانية، فإنه على الأسر أن تفكر لتجد أساليب جديدة في تدبير حياتها اليومية سواء في رمضان أو في غيره، فأنا لا أؤمن البتة باختلاف المناسبات القارة هذه، ولا بزيادة المطالب في هذا الشهر الكريم، وأصدقكم القول أنني لم أضف سنتيما واحدا على مصروفي العادي قبل رمضان، انطلاقا من حرصي العادي والدائم بأن الإسراف في الأكل هو إسراف في السمنة وبالتالي إسراف في كثرة الأمراض·· فلو انتهى كل فرد إلى أن المناسبات القارة هذه كثيرة، ولذا يجب التعامل معها بشكل عادي، وبالتالي يمكن التدبير لها بشكل عادي وبسيط لاختلفت نظرتنا للأشياء، وبالتالي ستختلف حلولنا للأشياء·· ونفس الشيء يطرح نفسه بمناسبة العيد، وما دمنا قد اتفقنا بأن كثرة الحلويات تسبب الأمراض فلم تجهد الأسر نفسها وهي محدودة المصاريف لتتكلف بصنع أطباق كبيرة وأنواع عديدة من الحلويات·· خاصة وأن هذه السنة قد واكب العيد فيها بالدخول المدرسي وهي فرصة لجعل ألبسة الأطفال في العيد والدخول المدرسي واحدة·· سمعت كثيرا من الأمهات يشتكون من غلاء الأسعار وكثرة المطالب، والمشكل في نظري يكمن في حسن التدبير، حسن تدبير اقتصاديات الأسرة ليس مسؤولية الأم وحدها ولا الأب وحده وخاصة في حالة الأم العاملة التي هي مشارك أساسي في دخل الأسرة، كما أنه لابد من شراكة الزوجين في مناقشة وأخذ القرار، وبتوعية الأطفال بالحالة المادية للأسرة وإشراكهم في أخذ القرار كذلك· التدبير المنزلي الحسن يأتي من تحمّل كل الأطراف لمسؤولياتهم الإنفاق والتسيير أيضا، تماما مثل وزارة الاقتصاد، التي عليها أن تضمن موارد قارة، وعليها أن تحسن تدبير توزيع واستهلاك هذه الموارد وإلا أصبحت البلد في أزمة·· وبمثل ما نحن نتهم الدولة وننتقدها في كثير من الأحيان عن فشلها في ترشيد الاقتصاد الوطني، فإنه علينا أن نتعلم أن ننتقد أنفسنا في تدبير اقتصادنا·· وصدقوني، المشكلة هي نفسها حتى وإن اختلفت الميزانية ومعايير التسيير وسعة المطالب، لأن المسؤولية في النهاية تعود لذلك الذي يفشل أو ينجح في تدبير اقتصاديات أسرته، فالفاشل في أسرته لن يستطيع مهما كانت عبقريته تدبير اقتصاد وسياسة البلاد·· علمونا في الزمن الجميل بأن ''القناعة كنز لا يفنى'' وإني أتساءل بصدق كم أسرة الآن تعلم أبناءها هذا المثل، فالعكس صحيح، العكس فيما أراه وأسمعه وهو أن القناعة غباء، واللهفة هي الكنز الذي لا يفنى··؟ وهو الخطر الكبير، فالأسرة القنوع هي التي يمكنها أن تحسن تدبير نفسها مهما كانت الضغوطات الاجتماعية المهددة لها يوميا· ليس من باب الوعظ والإرشاد، أنني تناولت معكم قرائي هذه المواضيع خاصة ونحن نودع هذا الشهر الكريم، لكنني أردت أن أقول لكم فقط، على الأقل لمن يقرأني ولمن يهتم لما أقول: إن الحياة بسيطة ولا يجب أن نعقدها بمطالب تتجاوزنا، وقد نندم ذات يوم لأننا تركناها تتحكم فينا وفي حياتنا مما قد يغير إرادتنا في التحكم في أسلوبنا في الحياة وفي وجهة مصائر أبنائنا·· وكل عام وأنتم بخير، تقبل الله صيامكم وقيامكم وصحة عيدكم··