في العام 1989، جمعتني أقدار، ليس هنا مجال التفصيل في أسبابها وظروفها، بالصديقين جوفلكيت عبد النور المدعو ''جو'' وكمال بوباكير· وكم كنت محظوظا وأنا أكتشف أن ''كمال'' هو الشقيق الأصغر للصحافي القدير الأستاذ عبد العزيز بوباكير، وأن لعبد النور ''جو'' خالا هو بالتحديد الباحث المبدع الدكتور السعيد بوطاجين، الذي عرفته فيما بعد، وأثّر في حياتي وأذواقي وثقافتي· كان على كمال و''جو'' أن يوصلاني إلى الأستاذ عبد العزيز بوباكير، ولا أدري كيف تدبرا أمر اللقاء، فكان ذلك يوما مميزا من أيام حياتي· أخيرا سألتقي هذا المثقف الفذ، والمترجم الكبير من الروسية إلى العربية، وما إلى ذلك مما كان يمثله بوباكير لشاب مثلي، في الثانية والعشرين من العمر، ما يزال في سنته الجامعية الثالثة· لقد كان لقاء مثيرا بكل معاني الكلمة· في تلك الليلة الشتوية، أبى عبد العزيز إلا أن يستقبلنا الثلاثة ببيته في ''حي باش جراح'' بالعاصمة، ومن يومها دخل الرجل إلى حياتي ومحبتي، واستقر بهما إلى غاية ''لا يموتون''· ومنذ ذلك الوقت تقطعت لقاءاتنا ومناسباتها وصدفها· وفي كل لقاء، كنت أكتشف من جديد سحر هذه الشخصية، وسعة أفقها، وقدرتها العجيبة على التميز وصنع الإستثناء· وفي كل لقاء أو اتصال هاتفي، كنت وما زلت أكتشف ما يختزله هذا الرجل الاستثنائي من قدرات على الاتصال والوفاء· وحين أخبرته ذات سهرة حميمية بضواحي ''حسين داي'' أنني أحتفظ بمقال له، من ضمن عشرات، نشرها في بداية الألفية بإحدى الأسبوعيات التي كان يرأس تحريرها، تحت عنوان ''كلب الجنرال''، علم الرجل أنني محب لأفكاره، فازدادت محبته لي، وازداد اهتمامه بما كنت أكتب من أشعار قبل أن أضع حدا لحياتي الشعرية· ومن الواجب علي أن أقول، بأنه منذ التقيت الأستاذ بوباكير وأنا في الثانية والعشرين من العمر، شعرت أنني أكبر بأكثر مما كان أترابي وزملائي يكبرون، وأنني بفضله، انتبهت إلى ضرورة تجديد وتوسيع قراءاتي، وأنني مطالب بين نص أكتبه وآخر آمل في كتابته، أن أجتهد أكثر في طلب المعرفة، وتعديد منابعها، وتوسيع آفاقها، وتحيين هواجسها، فكان نعم المعلم، وهو لم يسع قط إلى تعليمي· وفي السنوات الأخيرة، كانت لنا لقاءات في غاية الفجائية والصدفة· ولم يكن لنا متسع من اللقاء، في ظل وجود أصدقاء آخرين مشتركين في المحبة والشوق لبعضنا البعض· وكان عزيز، كعادته ورفعة شأنه، يعرف كيف يستقطع الوقت المناسب لترميم سنوات ضوئية من الغياب، وتحفيز أضعافها، ليظل اللقاء به كما الشوق إليه، ضربا من ضروب المحبة، وطلب المستحيل· فكم أنا فخور يا صديقي عبد العزيز بوباكير بأنني كنت محظوظا بكمال و''جو'' اللذين أوصلاني إليك ذات يوم، قبل أكثر من عقدين من الزمن؛ فغابا من حياتي، وبقيت وحدك فيها، بإبداعك وجهدك وتفانيك في فيض المحبة والاتصال·