عندما اغتيل الكاريكاتوري الفلسطيني، ناجي العلي، في لندن، صيف ,1987 كان ذلك بمثابة إعلان الحرب على هذا الفن الذي تجاوز كل الحدود في نقده السياسي المباشر، وبالمقابل كان ذلك اعترافا بانتصار هذا الفن الذي بدأ هزيلا مع ظهور الصحافة ووصل بسرعة إلى مرحلة النضج، ومن سخرية الأقدار أن ناجي العلي استمر في الحياة بطريقة أخرى من خلال شخصية ''حنظلة'' التي أبدعها وبقيت أكبر شاهد على هذا العصر، في حين أن الذين قتلوه في قلب لندن ومن دفعهم إلى ذلك، ذهبوا إلى حيث مزبلة التاريخ ولا أحد من عموم الناس يعرف عنهم شيئا بعد 23 سنة من تلك الحادثة المأساوية. وفن الكاريكاتير الذي نشأ عندنا في أحضان الصحافة وكان منشأه الأول في العالم الغربي أسبق بقرون، سرعان ما اكتسب شرعيته وأصبحت من خلاله الجريدة تُقرأ من صفحتها الأخيرة التي عادة ما تخصص فيها زاوية للكاريكاتير. وكثيرا ما يرتبط هذا الفن بالشريط المرسوم، الذي نشأ متطورا في جزائر الاستقلال مع نماذج رائعة مثل مجلة ''امقيدش'' التي برز من خلالها الكثير من الفنانين. ومع توقف المجلة عن الصدور، استمر فنانون في العمل من خلال مختلف الصحف، وكثيرا ما جاءت الإبداعات الكاريكاتورية في الجزائر في شكل أشرطة مرسومة، ولعل نموذج ''زينا'' بلباسها الجزائري التقليدي و''بوزيد'' بموستاشه المعقوف خير دليل على ذلك، وقد ولدت الفكرة واستمرت مع الفنان اسليم. ورغم تغيّر الأوضاع السياسية والاجتماعية بشكل راديكالي، إلا أن زينة وبوزيد مازالا مستمرين مع هذا الفنان يتنقلان من منبر صحفي إلى آخر، كشاهدين على هذا العصر. ومع تحولات الخامس من أكتوبر 1988 برز جيل جديد من الفانين الكاريكاتوريين لعل أبرزهم جمال نكاكعة (جمال نون)، وعلي ديلام وهشام (لو هيك)، وفريد مرسلي... وغيرهم، الذين أرخوا لجزائر متحولة اجتماعيا وسياسيا، ومع الانفتاح الذي جاؤوا معه نشأت صحف هزلية بالعربية والفرنسية، أعادت الاعتبار للشريط المرسوم وفن الكاريكاتور عموما، وجاءت تجربة ''المنشار'' ثم ''ليبوك'' المفرنستين، وجرائد مثل ''الصح آفة'' و''الوجه الآخر'' المعربتين، وكان الشريط الهزلي المرسوم أبرز سمات تلك التجارب الصحفية التي توقفت للأسف الشديد، واختفى الكثير من مبدعيها عندما تراجع الشريط المرسوم الصادر في الكتب، لكن الكثير منهم عاد بقوة من خلال الوسائط الإعلامية الجديدة مثل الفايس بوك والمدونات والمواقع الإلكترونية الشخصية، التي أبانت عن مواهب جديدة جعلت هذا الفن يتنفس بطريقة وأخرى، ويؤكد أنه مازال يقوم الزمن ولن يموت على الأقل في المستقبل المنظور.