ذات يوم صرح العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية: أننا كنا ننتظر من الجزائر أن تتحرر وتحررنا! فهاجمه بعض الإعلاميين الجزائريين الذين لم يفهوا -على الأرجح- رسالته: أن أترك الجزائر وشأنها· وفي الواقع لا يمكن المزايدة على شخص العقيد القذافي في مواقفه من الجزائر، فهو من مدرسة جيل قسماً، عرف السجون أول ما عرفها وهو طالب في الثانوية حين اعتقل بسبب مشاركته في مظاهرات تأييدا للثورة الجزائرية، تلك المظاهرات التي كانت تعمّ أرجاء الوطن العربي يقوم بها ذلك الجيل الذي سمي جيل قسماً· وقد ظل الرجل واعتقد أنه لا يزال منذ أن استلم السلطة على وفاق مع الجزائر وثورتها التي تظلنا ذكراها هذه الأيام· وإن كان الأمر لا يخلو من مواقف مؤقتة لا تعجب هذه الجهة أو تلك من أهل السياسة وأهل الإعلام، لكن يبقى الجوهر· والجوهر هنا ''في اعتقادي'' هو الإجابة على سؤال: ما هو دور الجزائر في العالم؟ فالملاحظ أن دور الجزائر العالمي قد انحسر منذ الثمانينيات فلم تعد الجزائر تتحدث عن دور إفريقي لها سواء لجهة التحرر أو لجهة التصنيع، أو لجهة التجارة العالمية خاصة بعد إلغاء مشروع ''البلادة''، ولم تعد تتحدث عن دور إسلامي بعد توقيف وإلغاء مؤتمرات الفكر الإسلامي التي كان ينظمها ذلك الرجل المثقف مولود قاسم نايت بلقاسم، طيب الله ثراه· ولم تعد الجزائر تتحدث عن دور مغاربي أو شمال إفريقي -كما يحلو للبعض التسمية- بعد أن أصبحت فكرة وحدة المغرب العربي التي قادتها الثورة الجزائرية في مؤتمر طنجة عام 1958، جزءاً من ذكريات الماضي، وتم وأد الاتحاد المغاربي لحظة مولده في زرالدة· أما الدور العربي، فقد أهال السيد إسماعيل مزيان التراب عليه عبر سلوكه غير الاستراتيجي في تنظيم المعرض الدولي للكتاب·· أما الدور المتوسطي، فاختصره ساركوزي بأن تكون الجزائر، ومعها كل دول جنوب وشرقي المتوسط، الحديقة الخلفية للإليزيه كما كانت أمريكا اللاتينية للبيت الأبيض في واشنطن· وهكذا لا نجد دوراً جزائرياً وأشخاصا في عالم اليوم، سواء كان دوراً سياسيا أو اقتصادياً أو ثقافياً أو تجارياً·· فالجزائر في عالم اليوم لم تعد مقراً لشيء أم ممراً لشيء· ولست أدري إذا ما كان دورها النفطي لا يزال جدياً في وقت تسعى فرنسا وغيرها لإشعال حرائق عند آباره· والسؤال الذي يحيرني هو: إن الدولة الجزائرية لم تكن ضعيفة في يوم من الأيام منذ استقلالها، سواء على مستوى المال أو الموقع أو الفكر أو الكتلة البشرية، فلماذا التخلي عن هذا الدور ولصالح من؟ طرحت هذا السؤال على صديق عربي مثقف مهتم بالسياسة الدولية، فزادني جوابه حيرة على حيرة، إذ قال: إذا أردت أن تعرف المستفيد من هذا الانحسار، لابد لك أن تعرف اليد التي قامت به· وأنى لي أن أعرف وأنا رجل لم أشتغل يوماً في السياسة لا محلية ولا دولية، وعلاقتي بها ليست أكثر من علاقة قارئ للجريدة في مقهى أو متفرج على التلفاز في غرفة النوم·· فحكمة المواطن الجزائري والعربي في هذا الزمان من حسن السياسة ترك السياسة