في المشهد تشهر المعالم رموزا تمدنا بأمل في تحول يهندس لنا الوطن الذي ننشده، وطن ينبض بالحياة، حياة تتشكل جمالا وجلالا. في المشهد رموز تشع بطهر وتتوشح الوطن وتتلبس بالمثل التي كلما تسامينا بها عرجنا في مدارج السالكين حيث نكون في مقام الإنسان. في المشهد من قد نختلف معهم في مواقف كما قد نتقاطع معهم في مواقف، لكن في الحالتين لا نملك إلا احترامهم. احترام الصدق الذي لا يصدأ معدن من شحن به، احترام الجود الذي لا ينضب، جود العطاء الممدود، جود هو هبة الحياة التي تبقينا أحياء. نحترم الموقف بعيدا عن الاعتبارات الإيديولوجية والنزعات الفكرية والحساسيات الجمالية والمرجعيات الثقافية والاجتماعية. في المشهد شابة جامعية فنانة بنت فنان رائع تلبس بالرسالة والتزم كمثقف بالدور حتى رحل شهيدا... الفنانة رحاب بنت علولة، علولة يمتد في البنت والبنت تراكم بعطاءها الرصيد، تندمج في حراك ينشد تبلور الجزائر التي ضحى من أجلها والدها، الجزائر التي تمتد ببهاء وبهجة... رحاب تتصدر المشهد، ترفع الراية الوطنية وتدخل اللج، مصارعة الموج، منتقلة بالحلول الركحي إلى شارع تمتد عبره بفنها كما امتد عبد القادر بالحلقة خارج خشبة المؤسسة... لما أتابع رحاب وزملائها الشباب أتلقى الدرس وأجدني أقول: شكرا لك رحاب... رحاب كأمازيغ الذي يبقي وهج والده ياسين، يبقيه ممتنعا على التصريف خارج مدارات الملتحم بنجمة تتوهج لتخترق العتمات وتكتب الوهج المنقدح جمالا جليلا بإيقاعات الأعماق التي تنطلق بمن يغص فيها نحو فضاءات التعالي تطهرا للاكتمال في مقام الإنسان. في المشهد رجل بلغ التسعين ولا زال مرابطا في محراب الدفاع عن حقوق الإنسان، يتجاوز التصنيف ويدافع عن الإنسان، كل إنسان. رجل إسمه يحيى يدافع عن الحق في الحياة، وهو علي مشحون بجرأة ارتبطت في المخيال باسم علي ابن عم الرسول (ص) وارتبطت في الذاكرة باسم علي لابوانت.. وهو عبد النور والنور هو في ما يحتويه لأنه كما قال العقاد: (ليس المهم أن تكون في النور وإنما أن يكون في النور ما تراه) ومن النور أن تفتح القنوات للتعبير لأنه كما قال فيلسوف الإغريق: (تكلم لأراك).. والنور يتجاوز التصنيف والتنميط، إنه اسم من أسماء الخالق ونوره كما ورد في سورة النور (الله نور السموات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم). علي يحيى عبد النور يلقننا الدرس وهو يجر السنين، محتفظا بشباب الروح ومتشبثا بقضية هي الدفاع عن الشرط الذي يكون به الكائن إنسانا ومواطنا معركته امتدت وكانت الدليل عن موقف لا يبغض القضية ولا يخضع المبادئ للمساومات والتاكتيكات. درس رحاب بعنفوان الشباب ودرس عبد النور بحكمة الشيوخ، هما درس المعركة التي تضمن للجزائر ما يحفظ لها الخميرة التي ينضج بها الفعل المبدع للتاريخ. هما الجرس الذي ينبه ويحرك ما ركد ويحفز على أمل في تحول ننبعث به كأروع ما يكون الإنبعاث.