الخوف، في النفس الإنسانية خوفان: خوف طبيعي هو جزء من خلقتنا لا حيلة لنا فيه، وخوف نستورده· والذي يهمنا، اليوم، هو ذلك الخوف الذي ينتقل إلينا عن طريق العدوى الثقافية والسياسية· ومثالنا على ذلك، في هذه الظروف التي يمر بها العالم العربي، هو ذلك الخوف الذي انتقل إلى نخبنا من الإسلام السياسي· من المفهوم بل ومن المنطقي أن يعبر الغربيون عن تخوفهم من أن يؤدي تغيير طبيعة الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية والإسلامية إلى تمكين الإسلاميين من الوصول إلى السلطة· وهو تخوف نسجته قرون من القراءة الزائفة للإسلام، وآلاف الدراسات الموجهة لطبيعة ما يدعو إليه القرآن من تعاليم· فكانت النتيجة أن العنف والحرب وإراقة الدماء هي الحقيقة الوحيدة في هذا الدين، ثم جاء التلبيس الأكبر من خلال سحب تاريخ علاقة الكنيسة بالحياة العامة والحياة السياسية بالخصوص على ما يمكن أن تكون طبيعة الحكم في دولة إسلامية أو في دولة يحكمها حزب إسلامي· ولا ينظر أحد منهم إلى الفرق بين حزب إسلامي يحكم دولة كبرى مثل تركيا وبين حكومة إسرائيلية تؤسس لحكم يتجاوز شعار الدولة الدينية، أو التي تسير وفق تعاليم الدين اليهودي، إلى نظام عنصري يقصر الخلاص على العرق اليهودي، ولا يفرق بين أكثر الدول الإسلامية تزمتا، إيران مثلا، وبين ما ينادي به رئيس دولة كبرى، هو نيكولا ساركوزي، من أن أوروبا يهودية- مسيحية الحضارة، وأنه يعارض انضمام تركيا للإتحاد الأوروبي لأنها إسلامية الحضارة· نعود لنقول: إن هذه النظرة الغربية جزء من أخلاق الصراع والحرب بين الشرق والغرب، ولكن أن تنتقل هذه النظرة، كما هي إلى نخبنا فتلك كارثة الكوارث· فمن جملة أحد عشر سؤالا طرحت على الباحث الجزائري مالك شبل، عبر أكثر من نصفها عن هذا الخوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة، وهي الأسئلة نفسها، بحروفها وكلماتها التي نسمعها كل يوم على لسان صحفيين ومثقفين غربيين، ونقرأها في صحافتهم· ثم جاءت الأجوبة تماما على النحو نفسه الذي يجيب به مثقفون وسياسيون غربيون· وخلاصة تلك الأجوبة أنه يجب منع الإسلام السياسي من الوجود، وإقصاء كل الذين يحملون المصحف الشريف قائلين هذا هو دستورنا· ولا يحتاج الموقف، عند هذا الباحث الإسلامي، إلى لحظة واحدة يجوز الوقوف عندها أمام المعاني التي يحملها القرآن، ولا حتى المقارنة بين ما يقوله القرآن، عن الحاكمين والمحكومين، والراعي والرعية، ولا عن ما يمكن أن يستشف من تعاليمه عن رأيه في الآخر·· وذلك أضعف الإيمان من باحث يتصدى لمشكلات في منتهى الخطورة· لا·· كل ما يجد أن يقوله أن يلتمس الإجابات لا من الكتب والبحث والتمحيص والمقارنات والمقابلات والمقايسة، ولكن مما تقوله صحافة متسرعة، تعكس أجزاء مشوهة من ثقافة معينة· وعندما يتعرض المثقفون الغربيون، والذين مستهم العدوى عندنا، إلى الأحزاب الفاشية في أوروبا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يقولون: تلك هي الديمقراطية، والفاصل إنما هو الصناديق، وعندما يصل الفاشيون العنصريون إلى الحكم، كما حدث ذلك مرارا في أوروبا، لا يجدون ما يقولونه سوى: إنها الديمقراطية مرة أخرى·