الصين ثاني اقتصاديات العالم·· الصين ثاني أكبر ملوثي الكرة الأرضية، وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط· ولا يزال الاقتصاد الصيني يحقق، سنة بعد سنة، نسب نمو عالية جدا، بالمقارنة مع المتوسط العالمي· ومعادلة ذلك: ليبيرالية اقتصادية في لباس سياسي من حديد، لا يمنع فقط كل أنواع المعارضة السياسية، ولكنها ليبيرالية تقف عند حدود السيادة· فقيمة العملة مسألة سيادية، الاحتجاج النقابي ممنوع باسم السيادة، والاستهلاك المفرط للطاقات الملوثة، كالبترول والفحم· ولم يستطع تكتل الدول الثماني الأكثر ثراء في ثني الصين عن مسارها· وأصبح من الواضح أن التوازن الاقتصادي بين الكبار والصين، لا بد أن يمر عبر إصلاحات سياسية صينية·· ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ ثورة شعبية على الطريقة العربية؟ التجربة أثبتت أن القدرة القمعية الصينية رهيبة، تقابلها قدرة لا حدود لها في التصدي لكل أنواع الضغوط الغربية· ومع ذلك لا بد من حيلة· فبركة أزمة اقتصادية تحد من زحف الصين للسيطرة التامة على طرق التجارة في العالم في مواعيد تقترب بسرعة الضوء· ولكن أزمة القروض العقارية في الولاياتالمتحدة لم تؤد سوى للبرهنة على ريادة الدور الصيني· فما العمل؟ نقطة الضعف الصينية، كما هي نقطة ضعف كل الاقتصاديات الكبرى، هو الطاقة· الصين تحتاج إلى مزيد من البترول وبنسبة تتضاعف يوما بعد يوم· وحسب العديد من المصادر، فإن ارتفاع استهلاك الصين للطاقة سيتجاوز الستين في المائة في نهاية العشرية القادمة· ويكاد يجمع الخبراء على أن بداية نهاية عهد البترول قد بدأت· ومع ذلك تستطيع الصين استغلال الوقت المتبقي لحضارة الذهب الأسود لتنمية قدراتها على إنتاج الطاقات البديلة· تبقى مشكلة أخيرة كفيلة بإلحاق ضربة قاصمة إلى الاقتصاد الصيني، وهي أسعار البترول· ما هو الحد الذي تبقى فيه أسعار النفط متناسبة مع سياساتها؟ إلى أي حد تستطيع الصين شراء بترول لا تؤثر أسعاره على نسب نموها العالية ولا تؤثر بالتالي على قدراتها التصديرية؟ فقد أدت الأزمة الليبية إلى ارتفاع لم يكن متوقعا، وقد يؤدي انتشار القلاقل إلى بقية العالم العربي، المنتج للنفط، إلى حدود قياسية أوصلتها بعض التوقعات إلى أكثر من مائتي دولار للبرميل· وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد ستبدأ الرحلة العكسية الصينية: يتراجع النمو إلى حدوده الدنيا، ويتراجع الاستهلاك الداخلي ويتراجع معه الإنتاج الصناعي فتهوي القدرة على التصدير· وتبدأ رحلة عودة مجموعة كبيرة من الصناعات إلى البلاد الأكثر قدرة على توفير الطاقة بالأسعار المطروحة في الأسواق·· في ثمانينيات القرن الماضي اخترع الأمريكيون مشروع مبادرة الدفاع الاستراتيجي، حرب النجوم، وكانت تلك ضربة قاصمة للإمبراطورية الحمراء، لأن السوفيات وجدوا أنفسهم غير قادرين تكنولوجيا واقتصاديا على مسايرة التحول النوعي الذي فرضه الأمريكيون لإنهاء الحرب الباردة· فهل يكون سعر النفط هو النسخة الثانية من حرب النجوم لإنهاء الحرب الاقتصادية بين الغرب والصين؟