حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يعلق جميع نشاطاته في البرلمان، احتجاجا على وضعية الانسداد السياسي في البلاد· لقد فهمنا كلمة الاحتجاج، وفهمنا عبارة الانسداد السياسي، ولكننا لم نفهم معنى: ''تعليق النشاط''· هل يعني أن نواب الأرسيدي يدخلون في إضراب عن العمل، فلا يشاركون في اللجان وفي مكتبي البرلمان، ولا في الجلسات العلنية· لا يناقشون القوانين ولا يعدلون ولا يقترحون، ولا يصوتون ولا يعترضون ولا يمتنعون عن التصويت· ومع ذلك لا يقطعون الصلة الوظيفية بالبرلمان· يعني أنهم يحتفظون بصفة النائب في المجلس الشعبي الوطني وعضوية مجلس الأمة، ويتلقون رواتبهم وتعويضاتهم ويتناولون الغداء في مطاعم البرلمان ويحتفظون بحصانتهم، ويتكلمون إلى الصحافة وفي الشارع باعتبارهم نوابا· كانوا يساهمون في إعطاء صفة البرلمان التعددي، وكانوا، كما يقولون، يعارضون، ويعملون على التغيير من الداخل، وعندما يئسوا علقوا نشاطهم ولم ينسحبوا· إذا فهمنا ذلك·· وإذا كان ذلك هو المقصود، فما أتعسها من خطوة، أقل ما يقال عنها أنها تكتيك سياسوي لا موقف سياسي شجاع· ذلك أن الفرق كبير جدا، كالفرق بين السماء والأرض، بين تعليق النشاط والإضراب بهذه الطريقة وبين الانسحاب بكل ما تحمله هذه الخطوة من تبعات، تماما كما فعل برلمانيون في اليمن وكما فعل آخرون في الكويت، وكما يفعل كل سياسي يحترم مسؤولياته· وإلا فما الفرق بين هذه الخطوة وبين خطاب آخر من حزب آخر يظل يصرخ، لكل من أراد أن يسمعه، أن البرلمان فقد شرعيته وأنه لم يعد يمثل الشعب الجزائري الذي انتخبه، وبالتالي يجب على السلطة أن تبادر إلى حله، وإجراء انتخابات مسبقة تعددية حقيقية حرة ونزيهة تعيد إلى الجهاز التشريعي شرعيته وهيبته ودوره، ومع ذلك بقي نوابه نوابا وأعضاء مجلس الأمة أعضاء: يناقشون ويؤيدون ويعارضون ويصوتون ويتلقون رواتبهم ويتناولون الغداء بأسعار مدعمة ويسكنون مساكن مدعمة ويتمتعون بالحصانة البرلمانية·· وكأنهم يريدون أن يقنعوننا أنهم وحدهم الشرعيين في برلمان غير شرعي· وما الفرق بين هؤلاء جميعا وبين مجموعة أخرى من النواب لا يزورون مقر البرلمان إلا وقت الغداء، أو لقراءة الجرائد بالمجان أو لإجراء اتصالات هاتفية على حساب ميزانية البرلمان، ولا يهتمون إلا بالنصوص القانونية التي تتناول وضعية النائب وراتبه وامتيازاته· هذا ولا نعلم إلى حد الآن موقف إدارة البرلمان من مسألة تعليق النشاط هذه· وأقل ما ينتظر منها أن تعلق رواتبهم وتعويضاتهم· وهذا أقل ما يمكن أن يضحي به برلمانيون فقدوا الثقة في المؤسسة التشريعية، والأمل في التغيير بهذه الطريقة· شأنهم في ذلك شأن جميع الطبقات العمالية التي تقدم على الإضرابات وهي تعلم أن أيام الإضراب غير مدفوعة الأجر·