كيف يمكن لقوات التحالف أن تحسم الأمر عسكريا مع قوات العقيد معمر القذافي دون أن تلجأ إلى تدخل بري؟ هذا السؤال تفرضه طبيعة الأهداف التي سطرها اجتماع ما سمي ب ''مجموعة الاتصال'' المنعقد أول أمس بالعاصمة البريطانية، وهي الهيئة التي كلفت نفسها بالمتابعة السياسية للأزمة الليبية بعد أن تسلم حلف شمالي الأطلسي (الناتو) مهمة قيادة العمليات العسكرية· وعلى الرغم من أن هذا السؤال لم يكن مدرجا في جدول أعمال مجموعة الاتصال، إلا أنه كان حاضرا، أكثر من غيره في الكواليس إلى درجة أنه غطى على ما سواه· والحقيقة أنه ما كان للمجموعة أن تطرحه خشية أن تتهم بتجاوز صلاحيات القرارين الأمميين الصادرين بشأن الأحداث في ليبيا· ما الذي يجب صنعه إذن، وإلى أين يجب أن تتجه الضغوط التي تكلمت عنها هيلاري كلينتون، إذا علمنا أن العقوبات المفروضة على ليبيا لم تؤد، لحد الآن، ما كان مرجوا منها· والتجارب السابقة تؤكد أن العقوبات الاقتصادية وتجميد الأرصدة وما إلى ذلك لم تمنع أمثال القذافي من الوجود ومواصلة الحرب على طريقته· كما أن الاعتراف بالمعارضة وشرعيتها لم تؤد إلى رضوخ الحكام كما يحدث منذ شهور مع الرئيس لوران غباغبو في كوت ديفوار، وكما يحدث، اليوم، مع العقيد معمر القذافي· وهل يعني تسليم قيادة العمليات العسكرية إلى الناتو إعطاءه نوعا من الاستقلالية في التصرف على أرض الميدان، وتمكينه من التملص، بطريقة أو بأخرى، من نص القرار الأممي؟ ولا يعني شيئا أن يقال: إن مهمة الناتو تقنية بحتة ولا علاقة لها باتخاذ القرارات السياسية وأن تحركا بريا يحتاج إلى قرار سياسي من الدول المشاركة في الحرب، وقرار أممي صعب المنال؟ العديد من المصادر الإعلامية تؤكد أن المتمردين الليبيين يستعينون، منذ بداية الحرب الأهلية، بخبراء أجانب، على الرغم من النفي القاطع للمجلس الوطني الانتقالي· ومن النقاط التي طرحها ممثلو هذا المجلس في اجتماعهم مع العديد من وزراء خارجية الدول المشاركة في اجتماع لندن، ضرورة تزويد المقاتلين الثائرين بالسلاح، وما يتبعه من خبرة استعماله بطبيعة الحال· ولم يعد الأمر سرا بعدما طرح السؤال على مسؤولي دول التحالف· الرئيس الأمريكي أجاب من من خلال قناة ''سي بي آس'' قائلا: ''هذا أمر لا أستبعده، ولكنني لا أقول أننا سنفعله''، ومن جهته قال وزير الخارجية الفرنسية: ''الحكومة الفرنسية تدرس إمكانية تزويد المتمردين بالسلاح''· ومن السهل جدا التحايل على القرار 1970 الذي يمنع تزويد أي طرف من الأطراف بأي نوع من أنواع الأسلحة، بتحويل المسألة إلى قضية ثنائية بين دولة بعينها وبين حركة بعينها، لتتحمل هذه الدولة وحدها المسؤولية السياسية ولا يقال بعد ذلك إن التحالف اخترق القرار الأممي· وتستطيع بريطانيا والولاياتالمتحدة وحتى قطر أن تفعل الأمر نفسه، كل دولة من جانبها الخاص· وبقدر ما يمثل هذا الخيار، أي تسليح المتمردين، أفضل الخيارات المتاحة لحسم الموقف على الأرض، بقدر ما يطرح مجموعة من المشكلات· أولها أن الحلفاء لا يستطيعون أن يتحكموا بدقة في طريقة توزيع هذا السلاح، ولا إلى الجهات ولا طبيعة الجماعات التي ستتسلمه، ولا الرقعة الجغرافية التي سينتشر فيها بعد ذلك· والدرس الأفغاني لا يزال حاضرا في الأذهان، وكيف أن السلاح الذي وزعته الوكالات الاستخباراتية الأمريكية والسعودية على المجاهدين الأفغان استعمل، فيما بعد، ولا يزال إلى الآن يستعمل ضد الولاياتالمتحدة· ومن النقاط التي بدأت تثار هنا وهناك ثبوت مشاركة جماعات من القاعدة إلى جانب الثوار الليبيين· ونتذكر أن أول من أثار هذه المسألة هو العقيد معمر القذافي نفسه· أما اليوم، وليس أبعد من أول أمس في لندن، فإن الحلفاء أنفسهم هم من بدأ يتكلم عن وجود القاعدة على جبهات القتال في ليبيا· ومع ذلك فإن بعض الملاحظين يقولون إن الولاياتالمتحدة لا تهتم بما وقع في السابق، ولا تهتم بمراعاة المنطق فيما تقوم به· ما يهمها فقط هو ما تراه صالحا في هذا الموقف بالذات، ولا شأن لها بالأخلاق ولا بدروس الماضي· وبناء على ذلك، ما الذي منع الولاياتالمتحدة من الاستعانة بالقاعدة في ليبيا من أجل الوصول إلى أهدافها، مع أنها تعرف ما يمكن أن تتحمله من تبعات؟ ما الذي يمنعها من التحالف مع المتطرفين في ليبيا؟ ما الذي منعها من التفكير في أن القاعدة في بلاد المغرب هي مفتاحها إلى الساحل الإفريقي؟·