انطلق الحديث عن مكافحة الفساد في الجزائر بالتوازي مع الإعلان عن قرارات ونتائج لبعض الإجراءات السابقة في غاية الأهمية· تولى رئيس الجمهورية في خطاباته بعد الفراغ من المصالحة في 2005 تولى قيادة حرب بلا هوادة ضد الفساد والفاسدين في الجزائر، وتبنت الحكومة وما اتصل بالحكومة نفس الخطاب، وظهر لعامة الناس أن هناك أسماء ستسقط كما تتساقط ''حبات السبحة''، وتم الإعلان عن إنشاء مراصد لمكافحة الفساد وأقطاب قضائية خاصة بمكافحة الفساد وتأسست جمعيات المجتمع المدني لمكافحة الفساد وأعلنت قيادات الأمن والدرك الوطنيين عن تأهيل فرق بأكملها واستحداث أقسام متخصصة في مكافحة الجريمة الاقتصادية، بعد خضوعها لتكوين عالي المستوى· الملاحظ بعد كل هذه الهبّة أن الإعلان عن التنصيب الرسمي لهيئة مكافحة الفساد جاء بعد سنوات طويلة من إطلاق خطاب المكافحة، ورافقت تلك السنوات الطويلة قرارات بدت لكثير من الجزائريين غريبة للغاية، منها قهقرة الجريمة الاقتصادية إلى صنف جنحة، وساقت الحكومة تبريرات قالت فيها أن إطارات الدولة أصبحوا قليلي المبادرة وأن القوانين الجارية لا تساعد على ''تفتق إبداعات إطاراتنا'' وأن الهدف من هذه القهقرة هو تحرير المبادرات، وحماية الإطارات· وأصبحت بعض الأحكام الصادرة عن العدالة في قضايا الفساد تستدعي وقفة حقيقية نظرا للفارق الكبير بين ما بذلته العدالة من جهود لإثبات التهم من إجراء خبرات وخبرات مضادة ودفاع وقضاة وتداول واستئناف لمدة طويلة، لتنتهي بعض الأحكام إلى إدانات في قضايا هامة ب ''سورسيات'' لأشهر معدودات أو تحت الحفظ القضائي، أو تحت طائل طول معالجة القضايا، كقضية سوناطراك والطريق السيار، دون احتساب فترة التحقيقات التي سبقت، ولم يُحل المتهمون أمام العدالة بعد·· هذا لا يضرب مصداقية خطاب مكافحة الفساد فحسب، بل يثبط حتى عزيمة أي مواطن يريد التبليغ عن الفساد، أو ينخرط في مكافحة الفساد بمفهوم الثقافة اليومية للمعنى، فالفساد في الجزائر اليوم، بلغ درجة تأسيس جمهورية موازية قهقرت الجمهورية الجزائرية إلى الدرجة الثانية، وبالتالي يتعين مكافحة الجمهورية الأولى لصيانة وبناء الجمهورية الثانية·