من مهندس دولة إلى كاتب كيف وجدت التجربة؟ لا أدري كيف أفصل بين صفة الكاتب وصفة المهندس، ربما لأن الدراسة لم تستطع أن تسلخ الكاتب عني، ولا الكاتب استطاع أن ينهي الدراسة لحد الساعة، فأنا الآن طالب كاتب، أو كاتب طالب، لم أناقش مذكرة تخرجي بعد، وهذا هو الخيط الذي يربطني بوزارة التعليم العالي حاليا وعليه لا يمكنني الحديث عن الانتقال الفعلي، أو قطيعة كاملة لحد الآن، لكن يمكنني القول بأن تجربة المهندس قيمة مضافة في مشواري كإنسان وكاتب، وأية تجربة مهما كانت تضاف إلى رصيد المبدع· لماذا هذه الحوارات مع الشخصيات السياسية والناشطين التونسيين؟ الحوارات هي وثيقة ثمينة جدا، التصاريح التي يدلي بها المشاهير أيا كانت صفتهم تشكل قناعات لدى العامة عن توجهاتهم على اختلاف مشاربها، وبالتالي تصبح هذه الحوارات دليل على مدى تمسك المصرّح بأطروحاته التي سبق وأعلنها، أو مدى تخليه عنها والانقلاب عليها، بالنسبة لي الحوارات مع شخصيات مختلفة، قد تضيف تفاصيل إلى معلومات كنا نعلمها مسبقا لكن بصورة غير دقيقة، مثلما حدث في حواري مع الكاتب سمير ساسي عن التعذيب الذي تعرض له طيلة عشرة سنوات في سجون نظام بن علي، وقد تضيء على قضايا كنا نجهلها تماما مثلما حدث حينما حاورت المدونة فاطمة الرياحي التي كشفت لنا عن بوعزيزي سبق البوعزيزي الذي عرفه العالم بأسره، وهو عبد السلام تريمش -رحمه الله-، والذي أحرق نفسه بعد التضييق على سبل عيشه البسيطة المتمثلة في عربة لبيع البريك··· لتخرج المنستير في جنازة وصفت بأنها ثاني أكبر جنازة في تاريخ تونس الحديثة بعد جنازة الرئيس الراحل بورقيبة وهو ما لم نسمع عنه من قبل، فالحوارات وثيقة تستحضر الماضي، وتستقرء المستقبل· ماهو الشيء الذي ظل راسخا في ذهنك خلال تجربتك الميدانية إلى تونس قبل وبعد الثورة؟ الشيء الذي ترسخ في ذهني هو بساطة رجال السياسة التونسيين، وثقافتهم العالية، وقدرتهم على الحديث بلغات عديدة بما فيها العربية، أقول بما فيها العربية لأن الكل يعرف أن معظم السياسيين الجزائريين يرتكبون مجازر بحق اللغة، أن تحاور رئيس حزب حائز على درجة دكتوراه في مقهى عادي بدون بروتوكولات كبيرة أشبه بالمعجزة في الجزائر، لكن مصنف في نطاق الأمر العادي في تونس·