بأداء كوريغرافيا رائع، توقع خديجة غميري أول عرض لها بتوزيع يتحد فيه الجسد بعاشقه الوهمي في كل صحب، لتخرج ''رقصة الحب''· لم يجد المسرحي ومدير يومية ''الجزائر نيوز'' احميدة عياشي، خلال تدشينه فضاء الجريدة الثقافي ''بلاستي''، سوى القول ''إنه آداء كامل''، لتقديم ''رقصة حب'' في عرضها الأولي أول أمس، بحضور جمهور مسرحي جاء بفضول كبير لاكتشاف الوجه الجديد في هذا الفن· على الرغم من أن خديجة ليست نكرة في مجال الرقص والكوريغرافيا، فهي مكونة ممثلين في التعبير الجسدي وترافق زوجها زوجها سليمان حابس (مستشار فني في العرض) طيلة مشواره· وكان لقاؤها بصونيا، خلال عملها في ملحمة بلحرش في مسرحية ''عام الهبال'' الضوء الذي كشفها للجمهور لأول مرة على خشبات عدة أدوار في آخر طبعة لمهرجان المسرح المحترف بالجزائر (جوان 2011)· انطلاقا من فكرة لماكسيم مارتن الذي كتب نص العرض المعنون -مؤقتا- رقصة حب، وبعد ثلاث سنوات من الانتظار يتموقع الفنان في عرضه، المعتمد على أداء جماعي (ثلاثة أزواج في الخشبة يضربون موعدا لهم على المصطبات العمومية)· ''فكرت في إعادة صياغة العرض ووضع جزء مني في كتابته''، تقول خديجة بشأن هذا الانتظار· ''رقصة حب'' هي قصة هذه المرأة التي كتبت محنة انتظارها الحبيب الغائب الذي تبحث عنه دون انقطاع ولكن دون الأمل في إجابة عن هذا الانتظار، لأن القصة هذا الانتظار، في حقيقتها، هي صراع حول الوجودي، إنه سؤال تطرحه في كل يقظة، على كرسيها الذي ربطتها معه، بفعل الزمن والانتظار، علاقة حميمية· في لعبة الاستفهام (أكتب أم أمحو)؟ يرضخ الشخص تدريجيا إلى البحث عن فردانيته في المكان، ويتموقع ''الأنا'' بسرعة من أجل أن يعطي للتعبير فضاءه الأبعد من حدود التجسيد· لذلك تستعمل الجسد مادة تعطي معناها في اللحظة الزائلة وتعزز حضورها في اللامنتهى· في تمثيلها تتجزأ خديجة أو الشخصية، لأن الاثنين يبدوان متحدان في نفس الأسئلة، تدريجيا، وكأنها تحاول التحرر من كل ما يحتويها، تجمع نفسها في أمل اللقاء، في شكل حلم عروس شابة ليلة حنائها أو في شكل تصور لا يستطيع التحقق· تجعل كل الحدود مضببة بين الحالات التي تتعارك داخلها لتفسح المكان لتداخل ترتمي فيه متجزئة· في أدائها تفسح خديجة المجال واسعا للرقص والغناء البربري التقليدي، موسيقى صوفية وإيقاع في فضاء هذه الحميمية الأنثوية، تتقاطع أسرارها الشاعرية على النصوص الفرنسية والإنجليزية وأشعار الأردنية جمانة مصطفى، بحركات لاهثة تترجم النوبة والسقوط والصراع وتداول النكسات التي تنهار في داخل ما تبقى من امرأة على حافة الخيبة من فرط الانتظار· منهارة على كرسيها العمومي، حب يصعب عليها إعطاء ملمح له، مثل بلد يحتاج إلى إعادة اختراعه، من خلال هذا الأداء الكوريغرافي الذي يسبر أغوار الصراع بين الجسد والمكان، وبحساسية فائقة، توصل لنا خديجة غميري الأحاسيس بعبارات جسدية وأداء صوتي تعيد صياغته، من خلال تضخيم الإحساس بالخيال وطريقة إيصاله، إنها طريقة أخرى لرؤية فنون العرض المسجونة، غالبا، في رتابة بالمسرح الجزائري·