رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: مجزرة بيت لاهيا إمعان في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ونتيجة للفيتو الأمريكي    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    توقرت: 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    التزام عميق للجزائر بالمواثيق الدولية للتكفّل بحقوق الطفل    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدمون عمران المالح : ''اللعنة على إسرائيل''
نشر في الجزائر نيوز يوم 17 - 10 - 2011

أول مرة رأيت فيها الكاتب المغربي إدمون عمران المالح، كانت في مدينة أصيلة، وهي المدينة التي أحبها وأعشق تفاصيلها وإيقاع حياتها اليومي الهادئ والبسيط، وظل شغوفا بها يتردد عليها باستمرار، ولا يخضع هذا التردد أو هذه الزيارات إلى منطق الموسمية، فهو يزورها في كل المواسم في الصيف أو الشتاء، في الخريف أو الربيع، وكلما ساعدته شروطه الحياتية إلى السفر إليها·
هي التي كانت ملهمته في أول نص سردي وروائي أبدعه الذي يحمل عنوان ''المجرى الثابت'' وهو النص الذي يحكي عن آخر يهودي مغربي، من يهود أصيلة، دفن بمقبرة اليهود هناك سنة 1966 المطلة على البحر التي لم تسلم من عوالم تعرية رطوبة البحر ورياح الشرقي·
جاء إدمون عمران المالح إلى عالم الكتابة والإبداع، أو ''الحج المالح'' كما يحلو لأهل أصيلة أن يلقبوه وعلى رأسهم الفنان التشكيلي خليل غريب، بعد أن تجاوز عمره الستين، وهذا لا يعني أنه لم يكن مهتما ومنشغلا بالكتابة وقضاياها، وهو الأستاذ الجامعي، والمناضل الوطني في صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي انتصر مع مجموعة من رفاقه من داخل هذا الأخير، لضرورة تاريخية مفادها أن يعترف الحزب الشيوعي الفرنسي باستقلال المغرب وحقه في تقرير مصيره، كما تنص على ذلك الأدبيات الأممية للحركات الشيوعية كونيا وعالميا·
وظل على هذا الحال وفيا لقناعته الوطنية والتقدمية في آن، رغم أنه فك الارتباط بالعمل السياسي والتنظيمي المباشرين منذ أن حصل المغرب على استقلاله· كما أنه رفض وتحت أي تأثير كان ترهيبا أو ترغيبا تهديدا أو إغراء الهجرة إلى إسرائيل في منتصف الستينيات، كم حدث للعديد من اليهود المغاربة الذين سقطوا في شرك الدعاية الصهونية والمتواطئين معها، وصدمهم ماعرفوه من مصير بعدما وقفوا على حقيقة الأساطير الصهيونية·
في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم كرمت جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الإمام الأصيلي الكاتب إدمون عمران المالح في ندوة ''الإبداع والمكان'' ملتفتة بذلك إلى بأهمية هذا الكاتب وسعة مخيلته وتجديده لأساليب الكتابة· والذي لو شاء- كما فعل ويفعل كثيرون لو على سبيل الهرولة- وانساق لمغريات آلة التقتيل الصهيونية وإمكانياتها الهائلة في الدعاية والذيوع والانتشار، وهذا مؤكد لحصل على أهم جائزة تمنح للأدباء والكتاب وهي جائزة نوبل·
كنت شاهدا - شاهد عيان - ذات مرة ونحن بصدد حضور افتتاح معرض الفنان التشكيلي الأصيلي خليل غريب بقاعة العرض ''أبلانوس'' الواقعة في المدينة القديمة بأصيلة، وفيما كنت أدخن سيجارة خارج بهو المعرض قريبا من بابه، خرج إدمون عمران المالح هو الآخر ليتنفس قليلا من الهواء نظرا لاكتظاظ المعرض بالحضور والزوار، باغته أحد ''الزيلاشيين'' العاملين بالخارج، وتحديدا في هولندا بالسؤال:
- لماذا لم تحضر إلى هولندا في إطار تجمع كبير ليهود العالم؟
- لم تتم دعوتي، وإلا حضرت، أجابه إدمون عمران المالح·
في ختام هذه التظاهرة تم فتح باب اكتتاب لجمع مساعدات مالية لفائدة ''دولة إسرائيل''
- أنا لا أعرف أية دولة اسمها إسرائيل·
أجابه إدمون عمران المالح بانفعال شديد مقضبا حاجبيه الكثيفتين، ومعبرا عن أقصى درجات غضبه واستيائه·
كنت قد رأيت إدمون عمران المالح مرات عديدة، وجالسته كثيرا، ولم أراه منفعلا مثلما رأيته ذاك اليوم، وحتى وأنا بصدد إجراء حوار معه في فندق الخيمة بأصيلة ذات صيف، حين سألته عن الأثر الذي خلفه غياب ''ماري سيسيل'' في حياته··؟ كان ذلك بعد رحيلها بأشهر قليلة· تأملني بحزن وألم، وطلب مني بعد أن قال لي لا يمكن أن أصف ذلك إلا بالكارثة، أن نوقف الحوار، لأنه في حالته هذه لا يستطيع أن يواصل· فقد كانت ''ماري سيسيل'' أكثر من زوجة وأكثر من صديقة، هذا إن لم أقل إنها كانت أهم ما في حياته ووجوده وكيانه، بل كانت شرفته التي يطل عبرها على العالم وفوضاه وتناقضاته· وغيابها فعلا ترك خلاء وفراغا واسعين في حياته·
هو ذا إدمون عمران المالح الكاتب المغربي الأصيل الذي لا يغير جلده، ولا يساوم في أفكاره وأرائه أيا كان الثمن، كان ولا يزال وسيظل مادام قلبه ينبض بالحياة وفيا لوطنيته المغربية وأصوله وجذوره وتراثه، وبنفس الحماس لا يزال وفيا لعدالة قضية الشعب الفلسطيني ونضاله وكفاحه المستميت ضد الكيان الصهيوني الغاشم· وآخر ما صرح به وآلات الاقتتال واستباحة الدم ترتكب أبشع الجرائم في عدوانها على غزة: ''اللعنة على إسرائيل'' ·
بعد مساره الفكري والنضالي والإبداعي والحياتي الحافل بالعطاء والحراك وطرح السؤال يحط إدمون عمران المالح رحاله في محطة العمر الأخيرة بعد أن اختار بمحض العروة الوثقى التي تربطه بتراب بلده مدينة الصويرة ليدفن فيها· ونكون نحن المغاربة بالأساس ومعنا كل رموز الفكر والإبداع الإنسانيين بغيابه قد افتقدنا أحد أعمدة الثقافة المغربية ·
على روحه نقرأ السلام ونقول له كم كنت كبيرا ورائعا وعظيما، كنت وستظل وستبقى منارة مغربية غنية برأسمالها الذي لا يفنى·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.