يشارف عدد ضحايا الاضطرابات الجوية التي ضربت شمال البلاد وهضابها العليا 30 ضحية، بين من أودت بهم حوادث المرور، ومن مات متجمدا منكمشا على نفسه عثر عليه في كوخ نائي أو على قارعة أو في مفرغة عمومية، ومن خنقه أكسيد الكربون المنبعث من حطب التدفئة ومن غاز البوتان المحترق بالنسبة إلى المحظوظين، أياما قليلة بعد التزام وزير الطاقة والمناجم أمام المصريين بضمان حاجتهم من غاز البوتان، وفي وقت أعلنت إيطاليا أنها سترفع وارداتها من الغاز الجزائري لمواجهة موجة البرد التي تجتاحها وأوروبا· الحصيلة ثقيلة، لولا أن الجزائريين طبّعوا أمر أن تكون حصيلة أية كارثة طبيعية بالعشرات، وإلا فإن الأمر عاد، من فرط تكرار الظاهرة تحت صمت المسؤولين من أصغر مدير تنفيذي مرورا بآخر منتخب وصولا إلى الحكومة جمعاء· حصيلة الاضطرابات الجوية ثقيلة ومرشحة للارتفاع، ويكفي أن موجة البرد أوقفت الحياة بالعاصمة حتى بالتجمعات السكانية الممتدة على الساحل· ومع ذلك لم تعلن حالة الطوارئ ولا شكلت خلية أزمة على الصعيد المركزي، ولا تحدث وزير التربية الذي أغلق بقطاعه 15 ألف مؤسسة مدرسية، ولا وزير النقل ولا وزير الأشغال العمومية، على الرغم من أن الطرق الوطنية والولائية ب 30 ولاية أغلقت وما زال بعضها مغلقا، ولا وزير الطاقة خرج للناس ولا وزير التجارة ولا وزير الداخلية ولا الوزير الأول· الجميع مدّد عطلة نهاية الأسبوع إلى عطلة المولد النبوي· حتى المجلس الشعبي الوطني الذي ما فتئ يدافع رئيسه عبد العزيز زياري عن أدائه طيلة خمس سنوات لم يتحرك، واعتبر أن مهمته انتهت، على الرغم من أن نوابه ما زالوا يتقاضون معدل 30 مليون سنتيم إلى غاية جويلية المقبل تضاف إليها 300 مليون منحة نهاية خدمة رفع الأيدي التي تعادل شقاء عامل يتقاضى الحد الأدنى من الأجر الوطني المضمون لمدة 14 سنة· وقد تساءل البعض أين هم نواب هذا المجلس في هذه الأيام، فلا المواطن الذي انتخبهم وجدهم إلى جانبه بولايتهم الأصلية، ولا رأيناهم بالعاصمة يطالبون بدورة استثنائية لمناقشة الوضع· ثلثا الجزائريين في أزمة ولم يتحرك ثلثا المجلس لطلب هذه الدورة غير العادية لظرف غير عادي استدعى تدخل الجيش لفك العزلة على آلاف إن لم تكن ملايين الجزائريين· وحتى الأحزاب السياسية، من أقصى أحزاب التحالف الرئاسي المشكل للحكومة إلى أقصى أحزاب المعارضة، باستثناء حزب النهضة، لم يتحرك واحد منها لا على أرض الواقع ولا حتى في شكل بيانات ورقية، ولو من قبيل استغلال الظرف لأغراض انتخابية· وحتى الأحزاب الجديدة التي انتقدت الساحة السياسية القديمة لم تخرج من ترفها وتبعث بفاكس واحد يقول إنهم لا يعبؤون بهذا الشعب· في الأشهر الأخير القليلة الماضية اجتمع مجلس محمد الصغير باباس رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بالولاة ورؤساء الدوائر والمنتخبين المحليين وجمعيات المجتمع المدني والنقابات و··· من أجل تشريح واقع التنمية المحلية، وطرحت أرقام خيالية عما تم إنجازه على الصعيد المحلي· وكم كان سيكون رائعا لو أن هذه الجلسات كانت مبرمجة بعد هذه الكارثة البيضاء، لو حدث ذلك ربما استحى الجميع ولم يلتقوا بمنتجع نادي الصنوبر·