''تمر بلادنا بمرحلة حافلة بالتشييد والتجديد في ظروف دولية مشحونة بمتغيرات سياسية وتوترات أمنية وأزمات اقتصادية وتدخلات أجنبية هي مرحلة حساسة على المستويين الداخلي والخارجي تستدعي التعامل مع مقتضيات المرحلة برصانة وحكمة بثقة وتفاؤل''، هذا بعض ما قاله الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين سنة ,1956 وتأميم المحروقات سنة .1971 وبدا واضحا أن الخطاب لم يكن كلاسيكيا (مقارنة مع الخطابات التي دأب على توجهيها بهذه المناسبة التي كان يغلب عليها الطابع الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بالعمال)· إنه الظرف السياسي الداخلي والخارجي الذي فرض هذا المضمون السياسي في سياق إقليمي يميزه التغيير الجذري وثورات الربيع العربي صنعت التغيير القسري في أكثر من بلد، واضطرت بلدان أخرى لإجراء إصلاحات جذرية في منظوماتها القانونية والدستورية تكيفا مع المرحلة· وبعد عشرة أشهر على إعلان الإصلاحات في خطاب بوتفليقة شهر أفريل ,2011 يبدو أن المضمون الجديد هو استمرار له ومتناغم معه، مثله مثل الكلمة التي وجهها، مؤخرا، بمناسبة إعلان موعد الانتخابات التشريعية القادمة، فهو الترغيب في المشاركة الواسعة من قبل التنظيمات السياسية المختلفة، ووعد بأن تكون المنافسة مفتوحة، وقد قال بهذا الصدد ''سيشهد الاقتراع المقبل مشاركة واسعة للأحزاب بما فيها الأحزاب الجديدة المعتمدة، مما سيفرز برلمانا ديمقراطيا تعدديا برلمانا''، وأعطى خارطة طريق لما بعد التشريعيات عندما قال: ''آمل أن يكون (البرلمان) حقا أوسع تمثيلا وأكثر تنوعا وأحسن تأهيلا لمواصلة مهمته التشريعية في تكييف وتطوير المنظومة القانونية للبلاد وخاصة مهمة تعديل النص القانوني الأسمى أي الدستور، وذلك بما يتلاءم مع تحولات المجتمع وتقدم الإصلاحات السياسية ومتطلبات التنمية المتسارعة''، وهو التأكيد الصريح على أن البرلمان القادم سيكون بمثابة ''مجلس تأسيسي''، غايته الأولى والأهم هي صياغة الدستور القادم للبلاد، مما يجعل التنافس فيه ليس تنافسا على عهدة برلمانية عادية بقدر ما هو تنافس على مشاريع المجتمع المختلفة، وعليه فإن المقاطعة ستنجر عنها انعكاسات سلبية على برنامج الإصلاحات ككل· ورغّب مختلف التشكيلات السياسية في المشاركة، كما جدد ما قاله سابقا في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية الحالية من أن الإدارة التي اتهمت سابقا بتزوير انتخابات سابقة سيطالها القانون في حالة حدوث أية تجاوزات، عندما قال: ''أجدد التأكيد على ضرورة حياد الإدارة التام وانضباط أعوان الدولة في أداء مهامهم وعلى التزامهم الكامل بتطبيق القانون وتنفيذ ما يصدره القضاء من أحكام، مشيرا إلى أن الإشراف القضائي على الانتخابات سيكون اختبارا حقيقيا لمصداقية القضاء''· إنه البرنامج الإصلاحي الذي أصبح قضيته الشخصية، عندما دعا باسمه الشعب للانتخابات، محذرا من نسبة المقاطعة العالية التي أشار إلى أنها تهدف إلى تدخل الخارج، إنه الإلحاح في الدعوة للمشاركة وهو يقول: ''آمل أن تكونوا مشاركين معبرين عن خياركم الحر وموقفكم المشهود أن تقولوا كلمتكم المسموعة المؤثرة، وألا تتركوا غيركم يختار مكانكم ويصنع مستقبلكم في غيابكم''، ويضيف في السياق نفسه: ''إنني واثق في حكمة الشعب الجزائري وبصيرته، وهو الذي عهدناه دائما يحسن البلاء ويرفع التحدي، شعب أصيل لا يتأخر في الأحداث الكبرى عن الوفاء بالتزاماته وأداء واجبه الوطني بشهامة وسخاء خدمة للوطن المفدى''·