''مواقفنا من ثورات الربيع العربي تختلف من بلد لآخر وفق مصلحة بلادنا''، هذا ما قاله هنري آنشر سفير الولاياتالمتحدة في الجزائر، قبل حوالي شهر من الآن· هي البراغماتية الأمريكية الصريحة التي تصل حد ''الانتهازية السياسية'' كما يصفها أدّعاء السياسة الأمريكية في المنطقة وفي العالم ككل، وليس أبلغ من هذه الصراحة في وصف هذا النوع من السياسة· إنها المصلحة التي جعلت الدبلوماسية الأمريكية ترتكب أخطاء في أكثر من بلد، وقد أربكتها ثورات الربيع العربي التي لم تتوقعها، واضطرت بعدها إلى التخلي ل ''انتهازية'' عن واحد من أكبر حلفائها في المنطقة وهو حسني مبارك الذي كان يحرس مصالحها مقاربة معونة مادية سنوية، لكن هذا التخلي تحت ضغط الشارع المصري لم يعجب أنصار مبارك المخلوع كما لم يعجب خصومه من الشباب المتظاهرين الذين أجبروا أمريكا على تغيير موقفها· لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعد أن امتدت ثورات الربيع العربي في كل اتجاه لم تتخلص بعد من ارتباكها ولم تعد تدري أي بلد يتم فيه التغيير بالقوة وأي بلد لا يحتاج فيه الأمر إلا إلى بعض الإصلاحات، وفي كل الحالات فإن قانون ''المصلحة'' الأمريكية هو العنوان الأبرز للدبلوماسية في زمن الربيع العربي، والسفير الأمريكي نفسه يقول وبصريح العبارة إنه وفي حال وصول الإسلاميين إلى الحكم في الجزائر عن طريق صناديق الاقتراع فإنها ''ستتعامل مع الواقع كما هو''، وإن كان هذا التصريح يبدو ''عاديا'' في صراحته، إلا أنه أغضب الطبقة السياسية في الجزائر من مسؤولين وممثلين للأحزاب السياسية المختلفة ورأوا فيه ''تدخلا في الشأن الداخلي الجزائري''· واليوم وبعد أزيد من عام على اندلاع ثورات الربيع العربي التي أسقطت لحد الآن أربعة من أقدم الحكّام العرب، ولم تندلع أحداث مشابهة في الجزائر، بدأت الدبلوماسية الأمريكية تقتنع أن التغيير يمكن أن يتم عن طريق بعض الإصلاحات كما حدث في المغرب مع الإصلاح الدستوري الذي دفع بالإسلاميين إلى تشكيل حكومتهم لأول مرة هناك، وبدأت تتصرف وفق ''مصالحها'' على هذا الأساس، مع أن السفير الأمريكي نفسه صرح مؤخرا أن الشباب الجزائري له نفس الهموم المشروعة للشباب المصري والتونسي الذي فجّر الثورة، لكن كل بلد له خصوصياته· لكن الدبلوماسية الأمريكية في قمة ''واقعيتها'' هذه تُغضب المسؤولين الجزائريين من حيث لا تحتسب، وقد قالها وزير الداخلية صراحة إن ما قاله السفير الأمريكي عن لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني ''بعلم السلطات'' لا أساس له من الصحة، ومرة أخرى تتورط أمريكا في المشكلة الداخلية لبلد عربي، وهذه هي الدبلوماسية على الطريقة الأمريكية·