يقول بن سعدة إن الثورة على الطريقة العربية لن تحدث في الجزائر لأن الجزائريين لن يقبلوا بتكرار السيناريو الليبي وتدخل قوات الحلف الأطلسي في شؤوننا الداخلية. كما عجز الدكتور عن العثور على أسماء ناشطين جزائريين يتدربون حاليا ويتلقون دعما ماليا، ليكونوا جزءا من الحراك العربي على الطريقة الأمريكية. جاء هذا في حوار مع ''الجزائر نيوز'' بمناسبة توقيع المؤلف كتابه في مكتبة العالم الثالث، مساء الأحد الماضي. أمضيت أمسية اليوم توقّع كتابك الجديد، مع أن الموضوع ليس رومانسيا بتاتا ولا أدبيا مثيرا للخيال، بقدر ما هو واقعي محفوف بالعنف الذي تولده ثورات أو انتفاضات الشارع العربي؟ فعلا مثير جدا وجدير بالاهتمام موضوع الكتاب في اعتقادي، لأن حتى الثورات والانتفاضات تخفي جانبا رومانسيا، إذا اعتبرنا أن الثورة هي مغامرة إنسانية في نهاية الأمر. إذا ألقينا نظرة على فصل خصصه لمصر، فقد قمت بوصف حياة بعض الأشخاص الذين آمنوا بهدفهم المثالي، وطريقة تعاملي مع هذه الحالات فيها نوع من الرومانسية والأدب أيضا، كونها نموذج للالتزام السياسي والاجتماعي. ما يجب أن نقوله بداية أن بلداننا تعاني فعلا من مشاكل، وأن الدول الأخرى ليست هي من تختلق لنا تلك المشاكل. الوضع السياسي والاجتماعي في العالم العربي متدهورة، وهي توفر أرضية خصبة لتنفيذ مختلف مخططات التلاعب. الناس الذين تظاهروا في الشوارع، يلفتون الانتباه، فهم أناس عاديون يؤمنون بأهداف وغايات، لكل واحد قصته الخاصة. لكن مشكلتي أنني أنظر للوضع من وجهة نظر مختلفة، وأقول إن الولاياتالمتحدة متورطة فيما يحصل من فوضى، ولها يد طويلة في تكوين شبكات الانتفاضة هذه، ليس كلها لكن على الأقل الزعماء وقادة الرأي. على ماذا اعتمدت لتصل إلى هذه النتيجة؟ اعتمدت على ملفات ويكيليكس المنشورة، والتي اعتبرها فرصة لنا للاطلاع على خفايا الأمور. فظهور ويكيليكس قبل الربيع العربي، يجعلنا نتساءل عن حقيقة ظهوره وعلاقته بالأمر، خاصة وأن كل ما نشر في فترة سابقة تعلق بالعالم العربي وأحوال قادته، في مقابل ملفات قليلة جدا عن دول الغرب. اعتمدت أيضا على مقالات صحفية جادة جدا، إعلاميين غطوا يوميا اعتصامات ميدان التحرير وشارع بورقيبة، وكذا أناس مهتمين ببروفيل نشطاء الأنترنت والمعارضين لأنظمتهم عبر الشبكة العنكبوتية. ناهيك عن مقالات قديمة تحدثت عن الثورات الملونة، من باب المقارنة التي طبقتها بين ما حدث في أوروبا الشرقية ويحدث الآن عربيا. ترى أن التشابه كبير بين ما حدث في صربيا وأوكرانيا وغيرها وبين مصر وتونس والبحرين...؟ تشابه كبير جدا، من حيث التقنية المستعملة تحديدا. الكل اتبع مبادئ المقاومة غير العنيفة لجين شار، وإذا دققنا في بروفيل أحمد ماهر وغيره نلاحظ أنهم اتبعوا الطريقة الصربية في النشاط والتحرك، تلقوا نفس التدريبات واستفادوا من التمويلات ذاتها أيضا. ماذا عن مصداقية ويكيليكس؟ المتمعن في كتابي، سيلاحظ أنني حللت أكثر من وثيقة صادرة عن ويكيليكس، وأقارن مضمون الوثيقة بما نقل عن نفس الموضوع في الصحف الجادة والمحاضرات. وقد توصلت إلى رسم مسار ''ناشط الكتروني'' اسمه باسم سمير عن طريق ويكيليكس وباقي المعلومات. ونفس الشيء بالنسبة لسليم عمام أو سليم بن غربية أو أحمد ماهر أو محمد عادل، كلهم اعترفوا بتلقيهم تدريبات في الخصوص، عكس الجزائريين الذين تبقى أسماؤهم سرية للغاية. فيما سيفيد بحثك اليوم؟ أولا أنا لا أنتمي إلى أي حزب سياسي، ولا أدعي ارتباطي بأي طرف كان، لا علاقة لي كذلك بمصالح استخباراتية، لهذا فعملي منتج جامعي محض، وبحث علمي موثق ومستند إلى ما يربو عن 268 مرجعا قابلا للتأكيد، وهو يساعد على فهم ما يجري في بلداننا العربية، حيث أن ما يحدث في تونس ومصر وليبيا أخطر مما هو ظاهر للعيان، أي أن هناك إعادة تقسيم الخريطة، إعادة توزيع وتشكيل فضاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ثمة قوى جديدة دخلت اللعبة، وصول أحزاب لم تكن في الحسبان، أمريكا تتحالف مع الإسلاميين بعدما كانت تحاربهم في ماض قريب. نظرة جديدة للعالم حاليا وكتابي يندرج ضمن هذا النقاش، ويحاول أن يفهم الرهانات الحالية. لماذا الولاياتالمتحدة حاضرة بقوة في حياتنا؟ أسئلة كثيرة أُثيرت بعد سقوط نظام بن علي في تونس ثم مبارك في مصر، ومن لحقهما في محاولة إيجاد بديل عن مفهوم الثورة، وراح النقاش يخوض بين خيار الثورة أو الانتفاضة أو شكل آخر من أشكال التعبير؟ في رأيي الشخصي لا استعمل كلمة ثورة، بل استعمل كلمة انتفاضة، لأن الثورات لم تنتهِ بعد، كما أن الثورة على النظام تعني القضاء عليه جذريا، وإرساء نظام جديد مختلف تماما عن سابقه، بينما الحاصل أن من خلف الحكام المخلوعين، كانوا جزءا من النظام السابق، أقصد جيش مبارك والطاقم الحكومي التونسي الجديد الذي لا يختلف عن سابقه رغم لونه الإسلامي، خاصة من حيث حرية التعبير. لهذا ما حدث في الدول العربية هو مجرد انتفاضات. وماذا عن ''الخصوصية الجزائرية'' التي تثار كرد على من ينتظرون دور الجزائر في ''الثورة''؟ ثمة وثائق تشير إلى أن هناك أشخاصا استفادوا من تدريبات وتكوين في مجال المقاومة عبر الأنترنت، من قبل مؤسسة ''كانفاس''، نحن لا نعرف هويتهم بعد، هم ينشطون تحت غطاء مجهول، ولم أُوفق خلال بحثي في العثور على أسمائهم. لكن الأكيد أن حركة كثيفة هي طور التفاعل عبر فيسبوك وغوغل ومواقع أخرى، وهناك منظمة اسمها المركز الوطني للتعاون والتنمية (cncd)، حاولت تأطير مسيرات لكنها لم تنجح ولم تحظ باهتمام الناس. الجزائر لم يزهر بها ''الربيع العربي''، قد يفسر بالعشرية السوداء التي سبق للجزائريين معايشتها، التي هزت نظام حكم بأكمله، وخلف أزيد من 200 ألف قتيل.. الناس يرفضون تكرار سيناريو الموت. ثاني تفسير قابل للنقاش يتعلق بتبعات سقوط نظام القذافي وما حصل من تدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، من قبل القوى الأجنبية، والجزائر لم تنس بعد ما فعلته فرنسا والحلف الأطلسي أيام الاستعمار الغاشم.