كثر الحديث مؤخرا، وبعد الذي أحدثه موقع "ويكيليكس" عن إمكانية وجود "ويكيليكس" عربي، او طُرح السؤال عن الأثر الذي يمكن أن يُخلفه وجود "ويكيليكس" في البلاد العربية، أي موقع مشابه له، لكن لا يفضح سياسة أمريكا والبيت الأبيض مع باقي البلدان، ولكن سياسة الحكام العرب التي يطبقونها على شعوبهم، والسياسة التي يتبعونها مع بعضهم البعض، ومع غيرهم كذلك. وقد طُرح النقاش على إحدى القنوات العربية الفضائية، وجيء بمحللين، واتصل آخرون عبر الهاتف، وتساءل الجميع عمّا يمكن أن يفعله "ويكيليكس" عربي، وما الذي يمكن أن يكشفه؟ وهل سيُؤثر ذلك على ثقّة الشعب بحكامهم؟ او هل سيحدث ذلك ثورة؟ وان كان كذلك، فهل ستمس الجميع؟ وغيرها من الأسئلة التي ليس لها لا طعم ولا رائحة ولا ذوق. حكامنا العرب، وان كانت فيهم كلّ الصفات القبيحة، إلاّ أنني أشهد لهم ب"الشجاعة" و"الجرأة" و"صْحاحة الوجه" التي تجعلهم لا يتأثرون بأيّ "ويكيليكس" مهما بلغت قوته، فهم لا يُخفون شيئا عنا، او لا يُخفون ما تُخفيه أمريكا وغيرها عن شعوبها، لأنهم لا يخافوننا، بل صاروا يلعبون على "المكشوف" لأنّ سياسة التجهيل التي انتهجوها منذ عشريات جعلت المواطن العربي لا يُفكر، او لا يُفكر إلاّ كما يُفكر حكامه، او إلاّ فيما يريده له حكامه أن يفكر فيه. فماذا لو علمنا أنّ حكامنا عملاء وبيادق لأمريكا والغرب؟ وماذا لو علمنا أنّ أمريكا تتجسس علينا ليل نهار، وتطّلع على عورات كلّ منا؟ وماذا لو علمنا أننا نحن الذين ندّعي العداء لإسرائيل، ولكن في حقيقتنا لسنا إلاّ عملاء لها؟ وماذا لو نعلم أن بعض الحكام ليسوا إلاّ بارونات مخدرات، وماذا لو علمنا أننا لا نظهر ما نخفي، وأننا نمارس النفاق السياسي في كلّ شيء تقريبا؟ وماذا لو علمنا أنّ حكامنا خونة؟ فهل سيغيّر ذلك من الأمر شيئا؟ لا شكّ أنه إن حدث هذا سيخرج لنا هؤلاء، وينفي كلّ واحد فيهم ما نسب إليه، او قد يؤكده، ولكن يُؤوِّلونه كما يشاؤون، ويزوِّرون المفاهيم، كما زوّروا، ويزوّرون كل شيء في حياتنا، وسيجد هذا الحاكم او ذاك حتما من يُصفق له ويفرح به، بل قد لا يفعل ذلك، ولا يخرجون للناس ولا شيء، ويتركون مهمّة الضحك على العقول لزبانيتهم الكثر. لقد علمنا حكامنا، ولعشريات، كما سبق وقلت دروسا في الانصياع والطاعة والإذعان، وصرنا مع الوقت تلاميذ نجباء لا نعصي لهم أمرا ولا نخالفهم، بل لا نرى إلاّ ما يرون حتى تحوّل الرديء إلى الجميل، وحتى المصطلحات تحوّلت وصارت لها معاني تختلف عن تلك التي كنا نعرفها. ما يلزم بلداننا العربية ليس "ويكيليكس" عربي، فحكامنا عراة ويتعرّون يوما بعد آخر، وبدون "ويكيليكس"، وما نحتاج إليه ليس الحرية في التعبير، ولكن الحرية في التغيير.