أعلن البارحة ميلاد أول تحالف حزبي إسلامي جزائري، جمع ثلاثة أحزاب من الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية هي حركة مجتمع السلم، حركة الإصلاح، وحركة النهضة. وقد افتتحت ما أطلق عليها مسمى ''احتفالية إعلان التكتل الإسلامي''، بكلمة من منسق المبادرة عز الدين جرافة، الذي وجه تحية لشباب فيسبوك وتويتر، واصفا إياهم ب'' مقدمي التضحيات المتفانية، الجامعين بين الأصالة والمعاصرة، والذين أكدوا للعالم أن أحفاد نوفمبر الذين تخرجوا من الجامعات الجزائرية، قادرون على إحداث ربيع جزائري نوفمبري''. وقد بدا جرافة راضيا عن طريقة تعاطي الأحزاب المتحالفة مع المبادرة، واتضح ذلك بالقول: ''إن الأحزاب السياسية المتحالفة قامت بسلوك ينتمي إلى السلوكات السياسية النادرة، بتقديمها لمصلحة البلاد العليا، ضاربة مثلا طيبا في التاريخ السياسي المعاصر''. ولم يكتف جرافة بالتشديد على أهمية هذا التحالف، بل وجه دعوة إلى من وصفهم بالمخلصين للمشاركة في دعمه بالقول'' حقّ على كل مخلص في هذا الوطن أن يمد لكم (يقصد الأحزاب المتحالفة) يد العون، وحق على كل الشعب الجزائري أن يفتخر بهذه المبادرة''. أما ممثل جمعية العلماء المسلمين العلمي السائحي، فقد بارك باسم الجمعية التحالف الذي أطلق عليه اسم ''تكتل الجزائر الخضراء'' بالقول: ''نبارك مثل هذه التحالفات، فقد دأبت جمعية العلماء المسلمين على جمع الشمل، وهذه خطوة على الطريق الصحيح بالنسبة إلى الطبقة السياسية التي يجب أن تجمع جهودها''. وقد بدا السائحي متخوفا مما أسماه ''استهدافا'' للجزائر، ودعا إلى عدم إغفال أمنها ووضعه في المقام الأول، وذهب إلى اعتبار التكتل ''حصنا للدفاع عن الثوابت الوطنية العربية والإسلامية''. واعتبر الأمين العام لحركة الإصلاح حملاوي عكوشي ''أن الإسلاميين يمثلون ضمير الشعبين العربي بشكل عام، والجزائري بشكل خاص، واللذين يعرفان أن الأقرب إليهما هم الإسلاميون'' وفي سياق حديثه عن الانتخابات التشريعية المقبلة، ذهب عكوشي إلى وصفها ''بالحدث الذي يوازي في أهميته ثورة نوفمبر''، مشددا على دعوة الشباب إلى التصويت منعا ''للتزوير الذي كرسته السلطة على مدار 20 سنة'' على حد تعبيره، واصفا فعل المقاطعة ب''الحماقة''، والمشاركة ب''الحكمة''. المبادرة التي عرضت فيديوهات تشرحها بعيون أطرافها الثلاث، استجابت -حسب الأمين العام لحركة النهضة فاتح ربيعي- ''لرغبة أبناء الحركة الإسلامية في توحيد الجهود''، واصفا إعلان التكتل ب ''الحدث التاريخي في مسار الحياة السياسية في الجزائر، والذي سيكون جمعا للصف على التقوى وتجسيدا لحلم قديم''. وقد انتقد ربيعي ''تتفيه'' حراك الشارع في جانفي 2011 الذي اعتبره ''امتدادا للثورات العربية، قزمه النظام باختصار مطالبه في أسعار السكر والزيت''، واصفا تكتل الجزائر الخضراء ب''المبادرة التي جاءت لتعيد الهيبة للمؤسسات، وتصحح مسار الإصلاحات، وتخضع المسؤولين لسلطة القانون تماما مثل خضوع المواطنيين العاديين''، والذي سيعمل على ''إخراج الدولة من دائرة الريع البترولي إلى الاقتصاد المنتج''. أما رئيس حركة مجتمع السلم بوجرة سلطاني، فقد قال في كلمته ''إن التكتل رد على كل من شكك في إمكانية اتحاد الأحزاب الإسلامية''، معلقا على التخويفات من وصول التيار الإسلامي إلى السلطة بالقول: ''الصفحة الفوبية قد طويت''. وقد عرض سلطاني رغبة التكتل في ''فتح صفحة جديدة في النضال السياسي، تتجاوز الأنانيات الحزبية إلى التشارك''، وهذا ما سيتجسد -حسبه- في الانتخابات القادمة من خلال قوائم موحدة ستدخل بها الأحزاب المعركة الانتخابية. وفي نهاية الاحتفالية، تم التوقيع على ميثاق التكتل، وقدمت الأمينة العامة للمرأة وشؤون الأسرة بحركة مجتمع السلم فاطمة سعيدي قراءة لمحتوى الميثاق. يجدر بالذكر أن قادة الأحزاب الأخرى قد غابوا عن هذا اللقاء، فيما ستعقد الندوة الصحفية في وقت لاحق من الأسبوع القادم. رحلة سوداء إلى تكتل أخضر ''إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا'' صدق الله العظيم، إذا ما درسنا من ناحية مقاصد الشريعة سبب نزول الآية، فلن نختصره في نظرة ضيقة تتناول الصلاة على أساس أنها عبادة يجب أن تكون في وقت محدد يحترم، بل ينسحب الأمر على كل مناحي الحياة، وباعتبار أن مقصدنا هذه المرة كان إعلان ''تكتل الجزائر الخضراء'' التحالف الإسلامي بين أحزاب حمس، حركة النهضة وحركة الإصلاح، فقد توقعنا أن الاحتفالية ستكون كتابا موقوتا، لكن للأسف لم تخرج هذه الأحزاب الإسلامية الثلاث من دائرة الاستهزاء بالمواعيد، رغم أن الغرب ''اللائكي'' المتطور يضعها في مرتبة القداسة! كان علينا إذن أن ننتظر رؤوس الأحزاب الثلاث تطل علينا متأخرة عن موعدها بساعة كاملة، كما كان علينا أن ننتظرهم يسلمون على مريديهم لفترة تقارب العشر دقائق حتى يأخذوا أماكنهم، وقبلها كان عليّ أن أبحث عن كرسي، ولأن كراسي المريدين مقدسة لا تُمس، فأحد المنظمين رفض أن آخذ أحدها لأجلس عليه بدعوى أنه سيحضر كراسي إضافية للصحفيين الذين غصت قاعة المؤتمرات بفندق السفير بهم، وبعد أن طال انتظاري وسألته ساخطا ''واش رايح نبقى بزاف وأنا واقف؟'' منحني كرسيا تركه صحفي للتو، وطلب مني الانتقال إلى الجهة المقابلة بلهجة حاول فيها أن يكون ظريفا رغم أن ملامح وجهه بقيت متصلبة قائلا: ''رايح نحقرك، تعيش روح اقعد ملهيه، ملهيه هايلة''، واكتفيت أنا بالرد: ''معليش'' بلهجة حاسمة مفادها ''ما قستهاش''. وبعيدا عن الخطابية التي سادت اللقاء، والتي جعلتنا نستمع إلى القليل من السياسة، والكثير من شكر أطراف التحالف لبعضها البعض، فإن الغريب هو أنه رغم تأخر اللقاء بأكثر من ساعة، فقد ظهر حرص ضيوف التكتل على أن يستمعوا إلى قصيدة ألقاها شاعر جزائري، يبدو أنه سيصبح متخصصا في إلقاء الشعر في مناسبات من هذا النوع (نفس الشاعر الذي ألقى قصيدة في حضور الرئيس المرزوقي لدى استضافة الزميلة الشروق له)، ووسط استياء أعلنه الصحفيون، قرأ صاحبنا قصيدته الموسومة ب ''وقع بالدم''، مجترا فيها كل شعارات القضايا التي دأبت الأحزاب على المتاجرة بها، ابتداء من ثورة التحرير الجزائرية، ووصولا إلى القضية الفلسطينية! والملاحظ كذلك هو الانتصار الساحق لفريق المصفقين، على حساب فريق المزغردات اللواتي كانت زغاريدهن محتشمة، وفي أحيان كثيرة مقتصرة على امرأة واحدة يبدو أنها كانت متحسمة ''للزغردة'' خارج السرب، وربما يعود ذلك للقاعدة الذهبية القائلة: ''كل مزغردة مصفقة، لكن ليس كل مصفق مزغرد''! هكذا كان إعلان ميلاد تكتل الجزائر الخضراء، لا أدري إذا كان هذا اللون الأخضر هو نفسه لون تونس الخضراء، أم لون ليبيا القذافي، أم الأخضر الوهابي، أم أخضر جديد، لكن الأكيد أن يوم البارحة كان أسود، أسود قاتما!