إذا حاولنا عبثا إجراء مقارنة بين القائمة الاسمية لتشكيلة المنتخب الوطني التي دافعت عن الألوان الوطنية وساهمت في تألقه منذ فترة ليست ببعيدة، وتلك التي تحظى اليوم بثقة المدرب الوطني الجديد حليلوزيتش، لوجدنا أن التغييرات التي طرأت، اليوم، على التعداد كبيرة، حيث أقدم الطاقم الفني على إبعاد العديد من الوجوه في صورة كريم زياني، جبور، بن يمينة، بلحاج غيلاس، عامر بوعزة، مسلوب، وتم الاستنجاد بأسماء جديدة مثل فغولي، مصباح وكادو مورو... وهو ما أعطى الانطباع أن جيل المحترفين الذي تألق في وقت سابق وقدم خدمات كبيرة للكرة الجزائرية يسير نحو الخروج من الباب الضيق، والأمر لم يشكل مفاجأة بالنسبة للرأي العام الكروي طالما وأن التخلي عن أسماء معروفة كانت تشكل في الماضي النواة الأساسية للخضر، كان متوقعا بالنظر إلى تراجع مستواها وعدم قدرتها على استعادة إمكاناتها التي عرفت بها، وقد تزامن ذلك مع انضمام بعض الأسماء الجديدة للمنتخب الوطني في صورة فغولي الذي أبان عن إمكانات كبيرة، ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى الدور الذي بات يلعبه مع ناديه فالنسيا الإسباني، حيث بات يمثل قطعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، والأمر نفسه يمكن تطبيقه على المدافع جمال مصباح، الذي انتقل إلى نادي ميلانو في صفقة رفعت أسهم وقيمة اللاعب الجزائري. الوجهة الخليجية عجلت بانطفاء الركائز لا نضيف شيئا إن قلنا إن بداية أفول جيل زياني، بوقرة وعنتر يحيى، بدأ عندما قرر (الجيل) الرحيل إلى البطولات الخليجية لخوض تجارب جديدة في مسيرتهم الكروية، وهو ما شكل صدمة كبيرة لدى المتتبعين لأخبار لاعبينا المحترفين، حيث كان الرحيل إلى هناك جماعيا وفي فترة كان بإمكانهم البقاء في سماء الكرة الأوروبية خاصة عندما نتحدث عن اللاعب مجيد بوقرة الذي مثل لسنوات طويلة قطعة أساسية في تشكيلة رانجرس الاسكتلندي ليجد نفسه بين عشية وضحاها في بطولة تفتقر تماما إلى مقومات المنافسة الكبيرة، بل والأكثر من ذلك فقط شكلت منذ سنوات بطولات الخليج ملجأ لكل نجوم الكرة التي وصلت إلى سن التقاعد، ومعظمها يريد إنهاء مسيرته الكروية في بطولات خليجية حيث الأموال الكثيرة والمنافسة القليلة. الأمر نفسه حدث للمدافع عنتر يحيى الذي لعب في البطولة الألمانية لسنوات عديدة، ليقرر دون سابق إنذار تغيير الوجهة تماما والانتقال إلى الخليج وسط دهشة كل من تتبع خطوات هذا اللاعب. وإذا كانت التصريحات الأولى التي أدلى بها هذا اللاعب عقب انتقاله إلى الخليج قد تضمنت إعجابه بالمستوى الذي توجد عليه الكرة هناك، فإن مكوثه هناك لم يدم طويلا، إذ سرعان ما استدرك الأمر وعاد من حيث أتى أي إلى البطولة الألمانية، وتزامن مع اعترافه الصريح بأنه أخطأ الوجهة عندما اختار مواصلة مسيرته الكروية بالخليج، غير أن ذلك كان بعد فوات الأوان، لأن المعطيات الحالية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مردود هذا اللاعب تراجع بنسبة كبيرة، وما قدمه من عطاءات مع المنتخب الوطني أصبح من الماضي، وهو اليوم يوجد على رأس قائمة اللاعبين الذين سيستغنى عنهم خلال المواجهات الرسمية القادمة التي تنتظر المنتخب الوطني خلال شهر جوان. وحتى إن بقي يحظى بثقة المدرب الوطني، فإن مكانته الأساسية مهددة تماما واحتمال جلوسه على كرسي الاحتياط وارد جدا، مثل زميله مجيد بوقرة، وقد تجلى ذلك بعد خرجاتهما الأخيرة مع ''الخضر''، حيث أبانا عن ضعف كبير وارتكبا أخطاء كثيرة، وباتت منطقة وسط دفاع ''الخضر'' تشكل هاجسا كبيرا للمدرب الوطني، وكل المؤشرات تذهب إلى إحالتهما على التقاعد، واستبدالهما باللاعبين كارل مجاني وبوزيد في وسط دفاع ''الخضر''. فغولي يسرق الأضواء من زياني عندما قرر المدرب حليلوزيتش الاستغناء عن اللاعب زياني خلال اللقاء الرسمي الأخير الذي قاد ''الخضر'' إلى غامبيا، حدث جدل كبير وردود فعل عنيفة من طرف وسائل الإعلام وبعض التقنيين، الذين اعتبروا غياب زياني بمثابة الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المدرب الوطني. ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نشك في نية كل الذين وجهوا انتقاداتهم اللاذعة لحليلوزيتش، لأن ما قدمه زياني جدير بالتنويه، وكان دائما عند حسن ظن كل المدربين الذين تعاقبوا على النخبة الوطنية، وساهم كذلك بشكل لافت في النتائج التي حصلنا عليها في رحلة التصفيات التأهيلية لمونديال وكأس إفريقيا .2010 غير أن المعطيات تغيرت، وبالتحديد منذ أن فضّل هذا اللاعب مغادرة أوروبا باتجاه الخليج بعد أن عجز عن فرض نفسه في البطولة الألمانية بسبب تراجع مستواه وعدم قدرته على مسايرة الريتم. وفي الوقت الذي كان بإمكانه المكوث في جو الكرة الأوروبية فضّل تغيير الأجواء، وخوض تجربة جديدة ساهمت بقسط كبير في أفول هذا النجم، وجاء إبعاده من قائمة حليلوزيتش منطقيا خاصة بعد انضمام سفيان فغولي للتشكيلة الوطنية، وهو ما اعتبره المتتبعون بمثابة الصفقة المربحة للتشكيلة الوطنية، حيث أظهر إمكانات كبيرة في أول خرجة رسمية له، وساهم بشكل كبير في عودة أشبالنا من غامبيا بالفوز، وهو ما جعل كل الذين نددوا بإبعاد اللاعب زياني يراجعون حساباتهم ويقروا علانية بقرار المدرب الاستنجاد باللاعب فغولي بدله، بعد أن سرق الأضواء ومعه عادت نفحة الانتصارات للخضر. مصباح يزيح بلحاج لم يكن اللاعب زياني الوحيد الذي تم إبعاده من خيارات المدرب حليلوزيتش، بل هناك كذلك المدافع نذير بلحاج الذي وجد نفسه خارج الحسابات خلال المواجهة الرسمية للخضر بغامبيا، وهي المرة الثانية التي يغيب فيها بلحاج عن موعد ''الخضر''، حيث سبق له أن أزيح من التشكيلة الوطنية في وقت سابق. وكان إبعاده في نظر المتتبعين بمثابة المفاجأة بالنظر لعطاءاته التي قدمها في الماضي، غير أن ذلك لم يشفع له، بعد أن وجد نفسه خارج المجموعة، ويمكن القول إن بداية نهاية بلحاج حدثت عندما التحق المدافع جمال مصباح بالتشكيلة الوطنية وتوظيفه في مركز مدافع أيسر في مكان نذير بلحاج، حيث أكد جدارته بالمنصب الذي أوكل إليه وقدم مردودا طيبا سواء تعلق بخرجاته مع المنتخب الوطني أو مع النوادي التي لعب لها، وانتقاله منذ أشهر إلى النادي الإيطالي العريق ميلارنو كان بمثابة الاعتراف الضمني بمستوى هذا اللاعب وجدارته بإزاحة المدافع بلحاج من منصبه. وكل الدلائل تشير إلى استحالة تغيير المدرب حليلوزيتش لرأيه في ما يتعلق بهذا المنصب، وحتى إن قرر استدعاء بلحاج مجددا، فإن ذلك لا يعني منطقيا بأنه سيلعب أساسيا في منصب نفسه (مدافع أيسر)، اللهم إلا إذا حدثت أمور أخرى، إصابة جمال مصباح مثلا. وإذا كانت المنافسة في لعبة كرة القدم مثل بقية الرياضات الأخرى موجودة، فإن خيار اللاعب بلحاج بالانتقال إلى البطولة الخليجية لعب دورا كبيرا في تراجع مستوى هذا اللاعب الذي قال عنه المدرب سعدان في إحدى المرات بأنه ضعيف على مستوى الدفاع وأن المنصب الذي بإمكانه تقديم الإضافة فيه هو الجهة اليسرى من وسط الميدان، وهو ما جعل المدرب سعدان خلال إشرافه على ''الخضر'' اللعب بثلاثة مدافعين، وتكليف بلحاج بمهمة اللعب في الرواق الأيسر. عزلة اللاعب المحلي تتواصل بالنظر إلى كل المستجدات التي طرأت على المنتخب الوطني منذ قدوم المدرب حليلوزيتش، خاصة ما تعلق بانضمام الوجوه الجديدة ممثلة في المدافع كادو مورو، فغولي، وتألق جيل جديد من المحترفين المرشحين اليوم لأخذ مناصب ركائز المنتخب الوطني. يتواصل غياب اللاعب المحلي عن التشكيلة الوطنية، رغم تواجد بعض الأسماء في أجندة المدرب حليلوزيتش، وبعض الفرص التي منحت لهم في اللقاءات الأخيرة في صورة المهاجم عودية الذي أبان عن إمكانات مقبولة نالت إعجاب حليلوزيتش عقب الانتصار الذي عاد به منتخبنا من غامبيا. لقد سبق لهذا الأخير أن انتقد مستوى اللاعب المحلي، وقال فيه كلاما سلبيا يوحي بأنه لن يعتمد على الفرديات المحلية خلال المواجهات الرسمية، وهو ما أعطى الانطباع بأن تواجد بعض وجوه البطولة الوطنية لا يعدو كونه محاولة لتشجيع بعضها على مواصلة العمل للوصول إلى المستوى المطلوب، إذ بغض النظر عن فرص اعتماد المدرب على حراس المرمى الذين يوجدون اليوم خلف الحارس الأساسي مبولحي، وبدرجة أقل اللاعب جابو، فإن بقية الأسماء المحلية لا يمكنها خطف المناصب من اللاعبين المحترفين الذين يشكلون السواد الأعظم في قائمة المدرب حليلوزيتش في انتظار انضمام المزيد من الأسماء المحترفة مستقبلا، وهو ما سيزيد من عزلة اللاعب المحلي وابتعاده رويدا رويدا من القائمة الأساسية التي سيعتمد عليها الطاقم الفني في رحلة البحث عن تأشيرة مونديال 2014 وكأس إفريقيا 2013 و,2014 وفق نظرة منطقية لمحدودية عطاء اللاعب المحلي الذي يبقى رهين بطولة وطنية محترفة ضعيفة وبعيدة كليا عن مستوى بقية العناصر المحترفة التي تنشط في بطولات أوروبية كبيرة.