الأزمة الحالية لحزب جبهة التّحرير الوطني ليست ظرفية، بقدر ما هي هيكلية، جذورها موجودة منذ ,2004 حيث تمّ استغلال ظرف فشل بن فليس في الإنتخابات الرئاسية، ليتمّ إقصاء كلّ من لديه وجهة نظر مختلفة عن القيادات في الحزب، في الوقت الّذي تقوم فيه نفس هذه القيادة اليوم، بطلب رحيل الأمين العام للحزب، ممّا يستوجب طرح السؤال الأهمّ وهو ما هي خصائص هذه الأزمة؟ للإجابة على هذا السؤال يجب عرض عدّة حقائق، على غرار وجود تصفية منظّمة لإطارات الحزب من الجيل الجديد، تحت غطاء عدّة مبررات واهية، من بينها مقربين من بن فليس أو إطارات دون أقدمية، الإستعمال غير اللائق لإسم الرئيس والمقربين إليه، لتمرير قرارات إعتماد أشخاص لا يملكون الكفاءة اللازمة للدّخول إلى الحزب، رفض الكفاءات لتقلّد مناصب مهمّة في الحزب، تحت مبرّر عدم امتلاكها للبطاقة الحمراء من قبل أصحاب القرار، واختيار أسماء القوائم الإنتخابية في تشريعيات 10 ماي القادمة، وأفضل دليل على هذا النّوع من التسيير الداخلي، تسلل رجال الأعمال المشبوهين إلى قلب الحزب الّذي طرح مسألة أخلاقية على الصعيد الإيديولوجي وتحكّم سلطة موازية في مسألة إتّخاذ القرارات، مجسّدة من طرف فئة معيّنة تتحكّم باسم المكتب السياسي واللجنة المركزية، حيث يعلم الكلّ كيف تمّ اختيار أسماء المترشّحين للإنتخابات القادمة· وعلاوة على ذلك، نجد عدّة ظواهر لتحليل هذه الأزمة، على غرار سياسة الجهوية ضدّ إطارات الحزب من الشرق الجزائري وتحديدا من الأوراس عن طريق تفضيل الإطارات من الغرب الجزائري، ممّا خلق تقسيما مصطنعا بين أبناء الوطن الواحد وإطارات الحزب الواحد، إلى جانب كون المحسوبية والجهوية من أهمّ معايير تصنيف درجة الأهمّية في الحزب، الرداءة المسيطرة في الحزب، حيث يلعب الحزب، دور صاحب التوجهات والاقتراحات البديلة لمختلف القضايا الوطنية والدولية، لكن في الواقع ليس هناك سوى توجّهات عامّة، يتمّ تكرارها منذ سنين، وهو ما أثّر سلبيا على رؤية الحزب حول ما يجري مؤخّرا في الساحة العربية، لأنّه غير مسموح لأيّة كفاءة تقديم مقترحات جديدة، حول الانشغالات الحقيقية للوطن· ومن الملاحظ وجود كراهية كبيرة ضدّ كلّ الطاقات الجامعية والشّابة الّتي تريد خدمة وطنها، بالإضافة إلى شرط قضاء 10 سنوات في الحزب من أجل الترقية في سلم المسؤوليات، في الوقت الّذي لا يتوانى فيه البعض عن ترك بصمته الكبيرة في القائمة الإنتخابية، ووجود قيادة غير ديموقراطية تسيّر الحزب، بممارسات عفا عليها الزمن، خطاب شعبوي ولغة الخشب الّتي لا تستجيب للمتغيّرات الجديدة، ولا لشفافية الحكم الراشد المتّبع من قبل الإطارات الصادقة والمؤهّلة· ومن كلّ ما سبق، نستطيع أن نستنتج أنّ حزب التّحرير الوطني في طبعة ,2012 في مرحلة طريق مسدود، وأنّ نتائج 10 ماي القادم، لن تغيّر شيئا في حقيقة الأمور·