كم هي صعبة اللحظة التي تطلب فيها من المواطن العادي إن كان سيشارك بصوته في الانتخابات التشريعية التي انطلقت اليوم أو سيقاطعها لسبب بسيط وهو اعتقاده الراسخ بأن أمر المشاركة من عدمها يخصه هو شخصيا دون سواه، بل وأكثر من ذلك فعندما تشكل المشاركة أو المقاطعة على حد السواء، موقفا ديمقراطيا وسياسيا وحقا لكل مواطن عليه الاختيار، فإن طرح السؤال على أبسط مواطن قد يجعله في موقف حرج للغاية· ورغم الصعوبات والعوائق التي كنا نخشاها، إلا أن فضولنا الصحفي حتّم علينا القيام بنوع من سبر آراء ومواقف بعض المواطنين علّنا نعرف بعض التوجهات العامة قبل يوم فقط من موعد 10 ماي· إسكافي يقاطع الانتخابات عندما طلبنا من المواطن ''كمال'' الذي يمتهن حرفة الإسكافي إن كان سينتخب أم لا، لم يرد إجابتنا بدعوى أن الأمر يهمه هو دون سواه، وبعد إلحاحنا عليه وتأكيدنا له على أن رأيه هو واحد من الآراء التي لمسناها من عديد المواطنين، تلفظ هذا الإسكافي المتواجد في إحدى أزقة العاصمة القديمة بأول الكلمات ''لقد سبق لي أن أدليت بصوتي في هكذا مواعيد انتخابية، لكن ذلك لم يغير من حياتي، بل وأكثر من ذلك لم ألحظ أي مستجدات طرأت على الحياة الاجتماعية للمواطنين، وفي المقابل زادت المعيشة غلاء، وبالتالي فقد قررت عدم الانتخاب سواء يوم 10 ماي أو في المواعيد القادمة''، بهذه البساطة والتحليل والمنطق، كشفنا موقف كمال الذي يبلغ من العمر 30 سنة الذي قال لنا إنه لا يملك الإمكانات التي تسمح له بدخول العش الزوجي، وهي الأمنية التي ما يزال ينتظرها منذ مدة· ورغم إصراره على عدم المشاركة برأيه في انتخابات اليوم إلا أنه كرر لنا عدة مرات دعاءه بأن يحفظ الله هذا البلد ويزيل المشاكل والهم عن شعبه· طلبة يلوحون بالمقاطعة غادرنا أجواء مهنة الإسكافي وفضلنا الانتقال إلى طبقة المثقفين وبالتحديد إلى الطلبة لمعرفة مواقفهم من المشاركة أو المقاطعة، وإذا ما كانوا ينوون تأدية واجبهم الانتخابي، الطلبة المعنيون الذين تحدثنا إليهم كان عددهم 5 وهم يدرسون كلهم في معهد الاقتصاد، التقينا بهم بالصدفة ونحن نحاول التقرب من المواطنين للوقوف على مواقفهم، لقد فضلوا مقاطعة الانتخاب وعدم الإدلاء بأصواتهم وقدموا لنا خلفيات ذلك بالقول: ''ماذا عساها أن تحمل هذه الانتخابات لشباب مثلنا ما يزال مستقبلهم مجهولا ويعانون من مشاكل اجتماعية عديدة، وقد أخذنا العبرة من زملائنا السابقين الذين تخرجوا من المعهد وما زالوا إلى يومنا هذا دون عمل ولا مستقبل، بل وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة جراء ما يعانون من تهميش في مجتمع لا يرحم المثقفين، ثم ماذا ستحمل لنا هذه الانتخابات من جديد، لقد شاهدنا خلال الحملات الانتخابية التي قامت بها الأحزاب إصرار قادتها على مبدأ المشاركة، ولم يقدموا لنا برامجهم ولم يركزوا على الغد القادم للجزائر، إنهم فقط أرادوا منا الذهاب إلى مكاتب التصويت حتى يضمنوا مقاعدهم في البرلمان ومن ثم لا أحد منهم ينزل إلى الجزائر العميقة للوقوف على مشاكل المواطن العديدة''· لقد بدت لنا تصريحات الطلبة الخمسة مبنية على واقع معيش يعرفونه جيدا، ما جعلهم يقاطعون الانتخابات تعبيرا منهم عن رفضهم للشعارات الرنانة التي رددها المترشحون· كهول مستعدون للانتخاب لم نرد مواصلة حديثنا مع الشباب واخترنا وجهة أخرى قادتنا إلى مواطنين في سن الكهولة، ولم يتردد أحدهم في التأكيد لنا بأن الانتخاب واجب وعلينا كجزائريين أن نساهم في هذا الموعد بغض النظر عن غلاء المعيشة وصعوبة الحياة التي يعيشها المواطن الجزائري: ''في اعتقادي إن الامتناع عن التصويت سوف لن يحل مشاكلنا وعلينا أن نساهم في هذا الموعد الذي قد يكون، وهذا ما نتمناه، نقطة انطلاق جديدة في حياتنا، لقد انتخبت خلال المواعيد الماضية ولم أترك صوتي للآخرين ورغم أنني كمواطن يستعد اليوم للتقاعد إلا أنني لم أندم، لأن كل ما أفعله هو لبلدي''· ونحن نغادر هذا الكهل علمنا منه بأنه يعمل في قطاع البريد والمواصلات ويدعى ''محمد'' وهو أب لخمسة أبناء، أكبرهم يدرس بالجامعة وقد همس لنا في الأخير بأنه سينتخب من أجل مستقبل أبنائه وأبناء هذا الوطن·