''أرفض الانضمام إلى أعدائي مثل جبان، أرفض أن أبيع دم إخواني، أفضل أن أموت واقفا في عاصفة الحرب خير لي من أن أعيش راكعا إلى الأبد وألطخ أرضي النبيلة، أرض أجدادي..''، هذا مقطع من نص مسرحية ''ثمن الحرية'' التي عرضت بالمسرح الجهوي كاتب ياسين، نهاية الأسبوع، حيث تناولت التضحيات التي قدمها شعب الجزائر لأجل استعادة الاستقلال ونيل الحرية. مسرحية ''ثمن الحرية'' للمخرج الياس مكراب، عمل مسرحي أنتجه المسرح الجهوي كاتب ياسين في إطار احتفالية الذكرى الخمسون لاستقلال الجزائر. تتطرق المسرحية التي عرضت بالأمازيغية والفرنسية إلى التضحيات التي قدّمها الشعب الجزائري من أجل الاستقلال وتحرير البلاد من مخالب الاستعمار الفرنسي، حيث بدأت بمشهد رثاء امرأة للشهداء الذين ضحوا من أجل الجزائر، حيث أظهرت رغبة امرأة شاركت في الجهاد واستشهد زوجها الذي باعه أحد الحركى في منح ابنها من الجيل بعد الاستقلال فرصة اكتشاف التاريخ الحقيقي للبلاد، وهو التاريخ الذي كتبه والده قبل استشهاده. القصة قدمت على شكل حياة ترويها الوالدة لابنها، حيث نجح المخرج في التقنية التي اعتمد عليها في التسلسل الزمني للأحداث التاريخية التي عاشتها الجزائر، مركزا بصفة أكثر عن الثورة التحريرية التي انطلقت في نوفمبر ,1954 وجسد الممثلون فوق الركح الشجاعة التي يتحلى بها المجاهدين في تحدي الجيش الفرنسي، وإظهار اعتماد المجاهدين على حرب العصابات ونصب الكمائن ونجاحهم في إلحاق هزائم نكراء بالجيش الفرنسي وتمكنهم من جمع المال بفرنسا وإدخال الأسلحة من الحدود المغربية والتونسية. وفي نفس المشهد أظهرت المسرحية التعاون والتضامن الكبيرين الذي تميز به الشعب الجزائري مع المجاهدين لخدمة الثورة على غرار منح منازلهم تحت تصرف المجاهدين وإعفائهم والتكفل بهم بالأكل وإسعاف المصابين، أظهرت المسرحية أن المجاهدين وظفوا الجانب اللوجيستيكي كوسيلة فعالة يعتمدون عليها خلال الثورة في قهر الاستعمار خصوصا تفعيل عمل المخبرين والفدائيين والمسبلين بأسماء مستعارة، وأظهر المجاهد ''دا مقران'' واسمه الثوري ''سي واعلي'' شجاعة الرجل الجزائري الفذ في إخفاء الأسرار رغم تعرضه لتعذيب عنيف، فلم يدلي بأية معلومة حول المجاهدين، وفضل أن يضحي بنفسه من أجل الشرف والدفاع عن الجزائر وصرخ في وجه الجنود الفرنسيين والحركي ''علي أو ودو'' معبرا عن ارتباطه بنضال المجاهدين ''لن أبيع دم إخواني، هذه أرض أجدادي ولن أركع للأعداء، أضحي بحياتي ودمي حفاظا على الشرف والاقتداء بالأجداد''، ورغم التعذيب الشديد نطق بعبارة ''أناراز ولا نكنو'' وتعني بالعربية ''ننكسر ولن ننحني'' قبل أن تقضي عليه رصاصات الاستعمار، وفي يومها استطاعت زوجته ''انا تيتام'' أن تثأر من دم زوجها بقتلها للحركي''علي أو ودو'' الذي خان الجزائر وشعبها ووقف مع الاستعمار. وما ميز عرض المسرحية، هو التطرق إلى كل الحقبات التاريخية التي عاشها الشعب الجزائري منذ الاحتلال الفرنسي في ,1830 حيث جسد فوق الركح حادثة المروحة وقضية الداي حسين والقنصل الفرنسي، مظهرا كيفية غزو الفرنسيين للجزائر بأسطول بحري ضخم، وترجم ذلك الكوميديين الذين شكلوا بأجسادهم قارب بحري فوق الركح يقومون بحركات السحب والجذب تحت أصوات أمواج البحر. وتطرقت المسرحية إلى مجازر 8 ماي 1954 التي عرفتها سطيف والمة وخراطة ونقلت الصورة الإجرامية البشعة في قتل الجزائريين. وبعدها تطرقت المسرحية إلى فترة استقلال الجزائر والاحتفالات التي عمّت الوطن، وجسد ذلك برفع العالم الوطني إعلانا عن الاستقلال الرسمي للجزائر. وفي آخر المسرحية قدمت الأم المجاهدة نصائح لابنها وطلبت منه أن ينقل رسالة الشهداء وتدوين التاريخ الحقيقي دون تزييف وأن يقوم بمهام وطني يكون استمرارا للنضال الثوري ووفاء لدماء الشهداء، ودعت ابنها أن ينقل الصورة الحقيقة عن الثورة وتاريخ الجزائر وأن يعلم الجيل القادم أن الاستقلال جاء بالتضحية والتحدي والشجاعة وقر ابنها أن يجسد ذلك في مسرحية تاريخية. وقد تميزت مسرحية ''ثمن الحرية'' بتقديم لوحات فنية فريدة من نوعها صنعها 12 راقصا وراقصة والذين قدموا حركات كوريغرافية دقيقة ميزتها الجمالية والإبداع، حيث لقيت إعجاب الجمهور الكبير الذي غزى القاعة وصفق لهم كثيرا، ونجح الراقصون برقصاتهم وحركاتهم المميزة في تجسيد الألم الذي عاشه الجزائريون إبان الاحتلال الفرنسي، وقدموا لوحات فنية أخرى تظهر عملية القتل الجماعي باستخدام الطائرات والأسلحة الثقيلة. ونجح الفنان كروش سالم، في الموسيقى التي اختارها للمسرحية والتي امتزجت بين الحزن والأسى وموسيقى الإثارة التي تلاءمت مع أحداث ومشاهد المسرحية.