في حوار أجرته معها ''الجزائر نيوز'' على هامش مشاركتها في الطبعة الثالثة من المهرجان الدولي للمالوف بقسنطينة، قالت الباحثة والفنانة اللبنانية غادة شبير، إن المد اليهودي على التراث الغنائي العربي الأصيل خطر يهدد ثقافة الشعوب العربية، ومن أجل ذلك، وجب العمل على الحد من انتشاره ، مرجعة استفحال الظاهرة إلى ضعف اهتمام الشعوب العربية بتراثها الفني، وركض من يمسكون بزمام أمور القطاع الثقافي فيها، وراء تظاهرات الغناء العصري التي تدر أموالا طائلة وترقص فيها النساء عاريات··· تزورين الجزائر لثاني مرة، وقسنطينة لأول مرة، ما هو شعورك؟ هذه فرصة جيدة وجميلة كنت أنتظرها منذ زمن، لأني كنت أحلم دائما بزيارة قسنطينة التي سمعت وقرأت عنها الكثير، وأنا جد مهتمة بها لأنها مهد المالوف والأغنية الأندلسية التي أجري عليها دراسة في الوقت الحالي، وأحاول إخراجها بمعية مجموعة من المهتمين من الحضيض، وإعادة بعثها من جديد وإرجاعها إلى مكانتها الأصلية والحقيقية··· حمل شعار الطبعة الثالثة من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف عنوان ''نساء وأصوات''، أين هي المرأة العربية من هذا؟ الفنانات العربيات المهتمات بالأغنية الأندلسية هن ضحية ظروف، لذلك نجد القليلات منهن فقط في الساحة التي أصبحت تطغى عليها الأغنية الريتمية العصرية، التي يتحكم فيها منتجون يجهلون حقيقة الفن الأصيل، لكن في الوقت الحالي ألاحظ أن صوت العديد من الفنانات بدأ يسطع عبر كامل أقطار البلدان العربية، وخلال تواجدي بقسنطينة ومشاركتي في مهرجان المالوف، اكتشفت أصواتا نسائية رائعة تستحق التشجيع خاصة جيل الشباب، وفي اعتقادي هذه هي الفرصة التي كن ننتظرها، ولابد من استغلالها وعدم تفويتها لإعادة الأغنية الاندلسية إلى سابق عهدها· قلتِ إن الأغنية الاندلسية في الحضيض، لماذا؟ لأنها مهملة ولم يعد هناك اهتمام كبير بها في ظل زحف الأغنية العصرية التي لا معنى لها على الساحة الفنية، واهتمام الجميع من منتجين وقائمين على القطاع الثقافي في البلدان العربية بها، مهملين في نفس الوقت التراث الغنائي العربي الأصيل الذي صنع أمجاد الأمة العربية · ما هي المشاكل التي تعاني منها الأغنية الأندلسية في رأيك؟ الأمر الملاحظ هو أن الاهتمام بالأغنية الأندلسية في الدول العربية أصبح يقتصر في الوقت الحالي على بعض التظاهرات التي تنظم من سنة لأخرى، وهذه ظاهرة تسببت في اندثار الأغنية الأندلسية على اختلاف طبوعها وألوانها الغنائية، يضاف لذلك ضعف الاهتمام من قبل المنتجين بهذا الفن وعدم تخصيص حيز من برنامجهم العملي لأغنية المالوف أو الموشحات الأندلسية، حيث أن التسجيلات في هذا المجال تكاد تكون منعدمة، هذا بالإضافة إلى قلة الدراسات التي تبحث في المجال، ناهيك عن قلة التبادل بين الدول العربية، ما جعل تراث كل منطقة حبيس رقعته الجغرافية عكس باقي الدول الأخرى التي تفتح صدرها لاحتضان التراث الغنائي للدول العربية التي تخلت عنه· هل تقصدين بهذا المد اليهودي؟ ليس بالضرورة، لكن المد اليهودي على التراث الغنائي الأصيل للبلدان العربية يعد أمرا خطيرا وجب أخذ الحيطة منه، لأنه مع مرور الوقت لن يصبح للبلدان العربية ما تعتز به، خاصة وأنه توجد من الدراسات التي تنسب الأغنية الأندلسية والمالوف على وجه الخصوص للدولة العبرية، وأنا لا أعارض اهتمام اليهود بهذا الفن لأنهم في الحقيقة من المولعين به، ولكن أريد أن أقول إن طغيانهم على الساحة يهدد التراث العربي الأصيل· من الناحية الإعلامية، هل ترين أن الأغنية الأندلسية أُعطيت حقها؟ بالطبع لا، فالإعلام الفني في الوقت الحالي أصبح ينصب على نوع واحد من الغناء هو الأغنية الريتمية الخفيفة التي تعود بالربح الوفير وجمهورها واسع وكبير، عكس الأغنية التراثية الأصيلة التي يتمسك بها القليلون فقط· مشاكل الأغنية الأندلسية لا تقتصر على ما ذُكر فقط، بل تعاني من نقص في الدراسات والبحوث كذلك، ما رأيك؟ أنا لا أشاطرك الرأي في هذا، لأن الدارسين والباحثين المهتمين بهذا المجال كثر ومتعددون، إلا أن الصعوبة تكمن في دور النشر والمنتجين على حد سواء، كما أن معظم الدراسات تتطلب وقتا طويلا، في أحسن الأحوال يمتد إلى سنتين أو أكثر، وهذا ما تسبب في قلة المراجع والدراسات، لكن نحن في لبنان اخترنا طريقا آخر لتجاوز هذه العراقيل، وهي مبادرة أتمنى أن تُعمَّم على كامل البلدان العربية· فيما تتمثل هذه المبادرة؟ لقد أسسنا شركة تهتم بموسيقى الشعوب العربية والغربية على حد سواء وفيها لا ننتج إلا ما نقتنع به، ولحد الآن أنتجنا ستة أعمال، أولها نال جائزتين عالميتين، وفيه اعتمدنا على التراث والأغاني القديمة، الأمر الذي أعطى دفعا أكبر للعمل، وساعد على نجاحه، في حين نعمل في الوقت الحالي على إخراج أعمال في شكل قصائد وموشحات قديمة سننشرها في كتاب وقرص مضغوط سينزل السوق قريبا· تعتبرين من الفنانات القليلات اللاتي خضن تجربة الموشح، كيف تقيمين هذه التجربة؟ في الوقت الحالي لا أحد يتجرأ على تسجيل الموشح وإنزاله في السوق، لأن هذا يتطلب جرأة عالية في ظل طغيان الأغنية الخفيفة على سوق المبيعات والفيديو كليب على القنوات الفضائية، كما أن الموشح يستوعبه أناس قليلون، لكن الحمد لله تجربتي لاقت نجاحا كبيرا وصدى واسعا في البلدان الأوروبية قبل العربية، وقد كُرِّمت في الأولى مرتين قبل أن أُكرّم في بلدي لبنان، وهذه مفارقة لا نجدها إلا في البلدان العربية· هل نفهم من هذا أن غادة شبير تطبق مقولة ''خالف تُعرف''؟ ليس بالضرورة، لكن تجربتي جعلتني أرى نفسي مميزة، كما أنها جعلتني أمضي قدما في إنجاز بحوث ودراسات، والأمر المميز في كل هذا هو أنني استطعت أن أحقق حلمي وصنعت لي اسما في الساحة الغنائية العربية والعالمية· يقال إن لديك صوتا يضاهي صوت فيروز، ما تعليقك؟ سمعت بهذا، وأسعدني كثيرا ليس من جهة أنني أضاهي فيروز التي تبقى دائما ملكة، ولها إنجازات يشهد عليها التاريخ، ولكن من حيث المكانة التي صنفني الجمهور فيها، وهذا شرف كبير لي· ما هي الأصوات التي تحبين الاستماع إليها؟ أنا متذوقة لكل الطبوع الغنائية، وأستمع لجميع الفنانين، إلا أنني أعشق وديع الصافي، ومن الشعراء، محمود درويش وجبران خليل جبران· كلمة أخيرة··· شكرا للجزائر وسكان قسنطينة على حفاوة الاستقبال، وأتمنى أن تكون هناك فرص أخرى مستقبلا·