آياتٌ تلو آيات تنزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الحج، كلّ واحدة منها حملت بين ثناياها توجيهات، وتضمنت دلالات، سمعها الصحابة رضي الله عنهم من في النبي عليه الصلاة والسلام فنفذت إلى شغاف قلوبهم وازدادوا بها إيمانا إلى إيمانهم ويقينا على يقينهم. وكان من جملة هذه الآيات قول الحق تبارك وتعالى: “واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين" (البقرة: 198). والمعنى من هذه الآية: اذكروا الله تعالى كما من عليكم بالهداية بعد الضلال، وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون، فهذه من أكبر النعم، التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان. والصحابة رضوان الله عليهم يتذكرون هذه الهداية جيدا، ويلمسون الفرق بين ما كانوا فيه، وما صاروا إليه، في نقلة شعورية نوعية ما كانت لتحدث لهم -وهم القبائل المتناحرة قبل الإسلام- لولا مبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمنة الحاصلة ببعثته: “وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" (آل عمران: 103). لعل بعض الصحابة استرجع الذاكرة إلى الوراء يوم كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيام الخندق وتجمع الأحزاب لقتالهم واستئصال وجودهم، يوم كان عليه الصلاة والسلام يشاركهم حفر الخندق، ويذكرهم بهذه النعمة العظيمة، ويشاطرهم شكرها: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا.