الميت يتحكم قي غاسله، يربكه بوصية ملغمة يفرض فيها شروط غسله مقابل الحصول على ثروة قيمتها مائة مليار، وبين الطمع للتحوّل من رجل بسيط وفقير إلى غني يدخل “الغسال" في صراع مع نفسه بحثا عن فك لغز الوصية للعثور على “الشيك" والحصول على المال قبل أن يتدخل الضمير المهني والأخلاقي ويحل المشكلة. مسرحية “وصية ميت" أنتجها المسرح الجهوي عبد المالك بوقرموح ببجاية وعرضت في إطار الطبعة الرابعة للمهرجان الدولي للمسرح الذي تجري فعالياته بعاصمة الحماديين، ألفتها الكاتبة نجاة طيبوني، وأخرجها المخرج المسرحي الفرنسي ريشارد ديمارسي، وجسدها فوق الركح الكوميدي باديس فضلاء. جاء هذا المونودرام في قالب هزلي كوميدي يعالج الجدل بين الميت والحي بطريقة خيالية ويغوص في المجتمع ويشرحه تشريحا دقيقا وعميقا، وتحكي هذه المسرحية قصة “غسال" الموتى الذي كسب حب واحترام الناس بفضل حسن أخلاقه ومهنيته وقيامه بواجبه تجاه الموتى، لكن سرعان ما تتغير طبيعته، حيث في ذات يوم كان على موعد لغسل جثة ميت عثر بجيبه على وصية فيها شروط وضعها الميت يأمر فيها الغاسل بكيفية وطريقة غسله، حيث طلب في وصيته من غاسله أن يغسله بالعطور وأن يقتلع قلبه بالسكين ويقوم بحرقه مقابل مبلغ مالي قيمته مائة مليار، وذلك يكون وفق تعهد بعدم خيانة الوصية، ووجد “الغسال" المدعو الطاهر نفسه أمام امتحان مهني وأخلاقي صعب للغاية، خصوصا وأن الوصية تضمنت لغزا حول كيفية العثور على “الشيك" خبأه الميت في إحدى أماكن منزله. وقد غيرت هذه الوصية من طبيعة “الغسال" مباشرة بعد قراءتها وأصبح يحلم ويطمع في أن يكون غنيا، حيث دخل في صراع حاد مع نفسه حول هل سيرضخ للوصية ويتبع شهواته والبحث عن المال والثروة أم أنه سيترك ذلك ويقوم بواجبه تجاه الميت مثلما اعتاد عليه. ونظرا للصراع الطويل مع نفسه توصل الطاهر إلى فك اللغز وعثر على مكان وجود “الشيك" الذي وضعه الميت في سقف غرفته، وكان ذلك منعرجا على المسرحية ليحسم الطاهر قراره النهائي، حيث فكر كثيرا في القضية وفضّل أن يواصل أداء مهامه على أحسن وجه بعيدا عن الطمع على ظهور الموتى، حيث قام بجلب الماء وغسل الميت بالطريقة الدينية وغلب بعد ذلك الضمير المهني والأخلاقي على الطمع. وأهم ما ميز مسرحية “وصية الميت" هو ذلك “السوسبانس" في بحث الطاهر عن فك لغز الوصية، وكذا في الفصل في قراره النهائي، حيث ترك الجمهور يطرح عدة أسئلة. من ناحية الشكل، جاءت المسرحية في ديكور مميز باللونين الأبيض والأسود محاولة للترميز على الحياة باللون الأبيض والموت بالأسود، والأمر نفسه بالنسبة للإضاءة، وتم إقحام قطعة قماش باللون الأحمر التي كانت تدل على تحذير مباشر للسقوط في الطمع. ولمسنا خلال العرض خروج الممثل عن النص بطريقة ارتجالية استطاع من خلالها أن يصنع أجواء من الضحك والمتعة وسط الجمهور.