لماذا الكتابة و الإصرار عليها في هذا الزمن المسخ ؟ سؤال بحجم الكون و بحجم الزمن اللامتناهي، فمن منا يستطيع تبرير سبب وجوده في الحياة ؟ لماذا الكتابة في زمن أصبحت فيه رديفا للتسول و العبث ؟ سؤال بطول سكاكين البشرية منذ الخليقة الأولى· أنا أكتبُ لأني أحلم بالحرية و في هذا الطقس الأليم أحقّقُ ذاتي التي ينفيها الواقع و يتفّهها كل ما يحيط بي· أكتبُ لقارئ أريد أن أحبّه و يحبّني و لكن بعقله قبل قلبه· أريده أن يعي معي بأن الحياة لولا بعض الحمقى الذين صادروا الورد و اغتالوا الطيور فيها بإمكانها أن تكون أجمل مما هي عليه· أبتغي فضح الغباء الذي يؤخرنا و العته الذي يلفُّ حياتنا بسبب انقطاع علاقتنا بالأرض و تيهنا في مدارات السماء· أكتب ليعي أخي الافتراضي، أخي الغريب بأني حليفه في المواجهة و المصير· أصرّ كما يصرُّ السجين الذي ليس أمامه سوى كومة أوراق و قلم على الكتابة قبل موعد الإعدام، لأن خلاصي الأخير فيما أخطُ و فيما أخلّف ورائي من كلمات أستلها من خلدي و أقدّها من خيالاتي· أصرُّ على ضعفي مصارعة غيلان الظلام و وحوش التجهيل لأني لا أعرف سبيلا آخر يؤمِّنُ لي الرضا عن النفس مثلما توفره لي هذه المواجهة· و قد يقول أحدهم أنني أكتبُ بغية الحصول على الجاه و الشهرة كما يتوهم الدخلاء على الكتابة، فأقول لهم ما قاله الموسيقار العبقري العظيم لودويج فان بيتهوفن لأنني حقا /لم أفكر أبداً في التأليف من أجل نيل الشهرة والاحترام، فكل ما يختلج بصدري يجب أن يخرج، وهذا سبب تأليفي لكل ألحاني/· ثم، من منّا لم تتقد بداخله نيران الأسئلة الوجودية الحارقة و لم يشعر إزاء وجوده و مآله برغبة لا حدود لها في تحدّى الزمن و نواميس الطبيعة بشيء قد يخلّدنا بعد الفناء ؟ أليست الكتابة إحدى أروع الآليات الإنسانية التي تسمح لنا باختراق الزمن و الضحك على العدم من خلف الحجب الداكنة ؟ أنا تتملكني هذه الرغبة كلما جلست أمام البياض، فكل كلمة أخطها هي محاولة يائسة لرسم ثلم صغير على جبين الوقت· رغبتي في الكتابة تضاهي رغبتي في احتضان أجمل امرأة في الأرض و الموت متحدا بها· أعتقد أن الكتابة في هذا الزمن البغل هي أنصع الأفعال مقاومة، بل هي كمين محكم ضد الخوف و حصار ضارٍ لكل أشكال الحقد و العنف و الموت المجاني الذي أضحى مشهدا يوميا يكاد يطبق على كل بارقة أمل أو فسحة للجمال و الذكاء· ليس لي ما أواجه به أحزاني و اغترابي سوى هذه الكلمات التي أدوزنها في خلطة دائمة التجديد لأبحث في ثناياها و في تفاصيلها و كيميائها عن بعض العزاء· أثق في اللغة ثقة عمياء تجعلني أبصر في الكينونة الإنسانية طموحها المتعالي لبلوغ الكمال/ لبلوغ ذروة الشهوة اللامتناهية· لدي في طقس الكتابة قرابين أمارسها و أقدمها على مذبح الصفحات البيضاء : لا أقبل خدشا أو شطبا على ما أكتب، فكل صفحة بيضاء هي /عذرائي/ التي أتمتع بها لأطول ليلة ممكنة· أنتظر على حريرها انبجاس الفكرة / الصورة / البرق / الذيئ أدونه بلوعة ممزوجة بالانتشاء· بكل تأكيد، الكتابة ليست ترفا و لا نزهة و لا رفاهية· الكتابة في هذا الزمن القيبح الفج هي رقصة مجنونة وسط الألغام و حاجة إنسانية لإثبات خطيئة البورصات و خطايا المراهنين على عرق الخيول· في الكتابة يكمن أمر جوهري و مرعب هو /الأفكار و هي الشيء الوحيدئ الأقوى من جميع جيوش العالم [1]· [1] مقولة للكاتب الفرنسي فيكتور هيغو