إحتضن المسرح الجهوي لسكيكدة، نهاية الأسبوع المنصرم، العرض الشرفي الأول لمسرحية “ما تبقى من بريد الشهداء"، للمخرج عمر معيوف عن نص مراد بوكرزازة. عمل أدرجته المؤسسة ضمن احتفاليات خمسينية استقلال الجزائر، وتطرق إلى موضوع الشهداء والمجاهدين غير المعروفين، وعلاقة الشباب بتاريخهم. يتمسك “عمي قدور" (سعيد زنير) بمقود دراجاته، يحمل حقيبة الرسائل لأصحابها، ينقلها بأمانة وصمت، تماما كما تعوّد على ذلك أيام ثورة التحرير الجزائرية. يعيش عمي قدور يومياته بعيدا عن وشوشة الجيران وسكان الحي، الذي يتساءلون عن سر الخزانة التي يحرسها بشدة، ويمنع أي شخص الاقتراب منها. في الساحة المقابلة لمجلسه، ثلة من شباب الحي، صبيان وبنات، يحلمون بأسلوب مغاير في الحياة. عاطلون عن العمل، لا يملكون سوى الرقص المعاصر أو “البريك دانس" ليعلنوا تذمرهم. إلا أنهم يتعرضون هم أيضا للطرد، أمام انزعاج كبار المنطقة من سلوكهم المختلف. يحدث أن يتقارب الطرفان، الراقصون وعمي قدور، في لحظة يظن أن سره انكشف، وأن خزانته سرقت، متهما الشبان بالفعل، فيفضح خوف الزائد على “ثروته". وهكذا يضطر لإفشاء سره، ويخبر أنه كان ساعي بريد منذ الفترة الاستعمارية، إلا أنه كان ينقل رسائل الجزائريين فقط، ومن بينهم المجاهدين الذين كتبوا أحلامهم وتصوراتهم للغد. للأسف، لم تصل كل الرسائل لغاياتها. إختار عمر معيوف ومساعد سيف الدين بوهة، طريقة المسرح داخل المسرح لسرد الحكاية، إذ يتحوّل الشباب إلى وضعيات تمثيلية جديدة، يجسدون شخصيات ثورية أثناء تأديتها واجب الكفاح. فتمثل أمام الجمهور شخصية الضابط الفرنسي المعطوب (أحمد عزيلة فاتح)، الضابط السامي (عبد الرؤوف بوفنار)، الطبيب (بن أحمد فؤاد)، رجل الكنيسة (أحمد عزيلة عادل)، حورية (أحلام زيلاي)، عازف القيثار (بن الضيف ناصر سيف الدين) وآخرين لم تقل أهميتهم في العرض عن سابقيهم، حيث تقاسم الجميع لحظات من الجد والهزل تجاوب معها الجمهور الحاضر. منح الممثلون حيوية جميلة فوق الخشبة، وأبانوا عن طاقة إيجابية في التعاطي مع الموضوع، وأجادوا إلى حد مقبول حركات الكوريغرافيا من تشكيل نور الدين قدور، إلا أنهم سقطوا في فخ الأداء التقريري للدور، إذ ظهر جليا عدم تناسق بين حركاتهم الجسدية ونصهم. ما ينم عن خبرة قليلة، وحاجة ماسة للتكوين. من الناحية التقنية، اكتفى العرض بديكور بسيط جدا، لم يتعد مصباح عمومي في الجهة اليمنى، وغرفة صغيرة في يسراه، لم نلمس دورهما في خطة السينوغرافيا، إذ كان يمكن أن يلعب الجميع على خشبة عارية. الإضاءة كانت النقطة السوداء في المسرحية، إذ ظهر جليا افتقار مسرح سكيكدة لعتاد وكوادر جيدة، إذ لم تسمح الإضاءة الكاملة للقاعة من طرد الشحوب على الخشبة.