ليس غريبا أن تكون النسخة العربية لكتاب جيم هاوز، أستاذ التاريخ في جامعة ليتز، حول أحداث 17 أكتوبر في طريقها إلى الصدور في الوقت الذي يعلن الرئيس الفرنسي الاعتراف الخجول بالقمع الذي حدث في هذا اليوم، دليل آخر على أن حتى فرنسا لم تستطع أن تتجاوز كولونياليتها في الجزائر. يتحدث جيم هاوز عن هذا التجاوز للكولونيالية وعما بعد الكولونيالية من دراسات، وعن العلاقة بين المؤرخين وبين صناع التاريخ من جهة، وبين الزمن والتاريخ، من جهة أخرى. أقول إن من أعرفهن أو من أعرفهم هم غالبا في موقف الناقد للتاريخ الرسمي وللذاكرة الرسمية هنا في الجزائر، إن الحقل الذي يشغلونه هو حقل صعب، هناك إذا هذه العلاقة مع التاريخ الرسمي الذي نجح في أن يُورَّث، في حين أن هناك فضاءً للنقد يتطور منذ ثلاثين سنة تقريبا والذي وجد أن هناك تفاوتا بينه وبين هذا التاريخ الرسمي، ووجد هؤلاء أنفسهم أمام آراء ومفاهيم يصعب تسييرها، فهناك في الفضاء العمومي حضورا قويا لكثير من خطابات وصور حرب التحرير التي نُركّز عليها كثيرا مقارنة بالمنظور الزمني الواسع للاستعمار الفرنسي من جهة، ولتاريخ الجزائر بصفة عامة، من جهة أخرى. لم نتجاوز كليا هذه الفترة، وهذا اعتقادي الشخصي، إحدى أوجه سؤالك يهمني جدا، فأنا أبحث في كيفية اندماج الفرد والذاكرة الفردية في شبكة التمثلات الرسمية وليس شرطا الاجتماعية، إذا كيف تساهم مجموعة الأفراد هذه في مشروع جماعي، حيث يتمركز الفرد في الحكاية الجماعية التي ليس شرطا أن يكون قد ساهم فيها والتي قد يتعرّف على نفسه فيها إلى حد معين، إنه سؤال في نظري يستحق بحوثا أكثر تعمّقا. إن العلاقة بين الفرد أو بين الجماعة والماضي هو سؤال مركزي. لا شك أن هناك وجودا لشيء ما بعد كولونيالي كترتيب كرونولوجي للأحداث، لكن ما بعد الكولونيالية كدراسات فهي تحاول قراءة كل ما هو كولونيالي في المجتمعات، على سبيل المثال عندما ندرس على مقياس صغير بلدة في إنجلترا ونجد أن أحد شوارعها ما زال يحمل اسم مستعبِد، فنحن نحاول قراءة هذه العلاقة بين الماضي والحاضر، إن هذه الدراسات هي طريقة لقراءة هذا الماضي. ما أريد الإشارة إليه ما نحن في صدد الحديث عنه، أنه إذا أردنا أن نفهم بشكل جيد ما حدث في حرب التحرير يجب أن ندرس السنوات التي قبلها، وبهذا نطرح السؤال هل ما حدث في سنوات الأربعينيات هو أقل أهمية؟ إن هذا يعيد التوازن للبحوث حول الجزائر. لا أعتقد أننا في علوم دقيقة تعطينا إجابات نهائية، لكن يمكننا أن نحاول التقصي، أعتقد أن هناك تواصلا ولا انقطاعا في الذهنية وفي التفكير الفرنسي، لكن باستطاعتنا أن نحدد تاريخا آخر هو ماي 1968، فما أتى بعده خاصة مع انتشار اليسار حتى سنوات السبعينيات قد ساعد المهاجرين بصفة عامة في نضالاتهم، إن ما يهمني في تتبع اليسار الفرنسي هو العلاقة بينه وبين جبهة التحرير الوطني. بإمكاننا أن نستخلص شيئا وهو أن مشروع الهوية الفرنسية كان متأخرا بالنسبة للتركيبة المعقدة للمجتمع الفرنسي نفسه. إن السياسة أو السياسات أقول تحاول دائما تملّك التاريخ، إن التعامل السياسي مع التاريخ الجزائري منذ حرب التحرير ليس شيئا جديدا، لا أعتقد أن هناك أفكارا جديدة على هذا المستوى، لكن ما يجب في نظري هو أن تكون الدولة منتجا أقل للتاريخ وأن يستطيع التاريخ أن يُكتب بطريقة أكثر استقلالية في الحقول الموسّعة للمجتمع المدني، هذا يشمل طبعا المؤرخين، هو سؤال أيضا متعلق بالأجيال، فأنا لا أعتقد أن الأسئلة نفسها ستكون موجودة بعد عشرين سنة في الجزائر، هذا يهمني جدا، هل ستتغير هذه العلاقة بالماضي بعد عشرين سنة حيث لن يكون هناك أي وجود لمن صنعوا تاريخ حرب التحرير، وفي هذه اللحظة كيف سنتناول الماضي، وهل ستتغير العلاقة بين السياسة والتاريخ آنذاك. * أعتقد أن هناك الكثير من آثار الاستشراق، وإذا تحدثت عن آثار الاستشراق فهذا يعني أني أعتقد أنه انتهى، لكن ما أجده خطيرا هو الاهتمام بنوع من الأسئلة التي أجدها مهمة، لكن الاستغراق وتناول المجتمعات الأخرى من خلالها أخطر. إن التاريخ يُكتب أيضا ضمن علاقة القوة بين الأطراف التي تصنعه، وبقدر سهولة الوصول إلى المصادر والأرشيف. لكني أعتقد أن اتساع التبادل العلمي الذي تحدثت عنه يساعد دون شك في فهم هذا التاريخ. أما عن منطلق الباحثين في الغرب هل هو منطلق استشراقي، فأنا لا أعتقد ذلك لأن الكثيرين ينطلقون من تحليل ميزان القوة أو السلطة.