في انتظار ما سيحمله العام الجديد من بشائر للشاشة الكبيرة الجزائرية، ما زلنا نترقب تحقيق برنامج وزارة الثقافة الخاص ب 11 فيلما طويلا منها “الدخلاء" لعاشور كساي، “الأسوار السبعة للحصن" لأحمد راشدي، “البئر" للطفي بوشوشي، “العربي بن مهيدي المؤسس" لمحمد سليم رياض، “عملية مايو" لعكاشة تويتا. أما الأفلام الوثائقية فعددها 19 عملا منها: “الولاية السابعة" لرشيد بوشارب، “حمداني عدة" لعبد الرزاق هلال، “مثقف في الثورة" لعبد الكريم دياد، “محرقة الظهرة" لعبد الرحمن مصطف، “معسكرات التجمع" للسعيد عولمي... ستمول كليا من خزينة الدولة. وفي انتظار أن تقرر أيضا وزارة المجاهدين تغيير سياستها الخارجية، وتفتح أبوابها على الاتصال والاطلاع على مشاريعها السمعية البصرية وتحرر أصحاب الاقتراحات من أرق الترقب. «زبانة».. لأول مرة على الشاشة شكل فيلم “زبانة" لمخرجه سعيد ولد خليفة، الحدث السينمائي الأول الموقع لمشروع دائرة السينما الخاصة بالذكرى الخمسين للاستقلال. وقد ظل العمل يسيل الحبر الكثير قبل وأثناء وبعد عرضه. يؤرخ العمل إلى حياة أبرز الشهداء من غرب الجزائر، وهو أحمد زبانة، الذي تناوله عز الدين ميهوبي من الناحية الإنسانية، مبرزا حيثيات محاكمة البطل وتنفيذ عقوبة الإعدام بالمقصلة عليه في 19 جوان 1956. ورغم الإمكانات المسخرة للعمل، تقنية وبشرية وفنية، إلا أن عرضه بقاعة الموقار أثار خليط من المشاعر، لصالح الإنجاز وضده. أول المعارضين لسيرة الشهيد كان من أسرة زبانة، الذين أكدوا أن ميهوبي لم يستمع إليهم ليكتب نصه، فيما أكد هو في تصاريح أخرى أنه اعتمد على شهادات أقاربه وأصحابه. كما تحدثت أصداء سينمائية عن المضمون ووصفته ب “العادي"، إذ أن العمل لم يبهر من حيث إثرائه الرواية التاريخية المعروفة لدى العام والخاص. موسيقيا، تساءل آخرون عن تفسير الموسيقى “الكنائيسة" المختارة لمرافقة مجرى الأحداث، وغياب موسيقى جزائرية قريبة إلى الشعور الداخلي للموقف. رغم ذلك حظي “زبانة" طيلة العام الماضي، وما زال، بأجندة عروض عبر كامل الوطن، حتى في الولايات التي لا تملك قاعة سينما، كما استفاد العمل من خرجات سينمائية دولية، على غرار مهرجان دبي (ديسمبر)، الطبعة ال 13 لمهرجان الفيلم الآسيوي بروما (أكتوبر)، الدورة ال 85 لأوسكار السينما في الولاياتالمتحدة ومهرجان تورنتو سبتمبر. «عطور الجزائر» ..المصالحة بعيون رشيد بن حاج العطر في نظر المخرج المغترب رشيد بن حاج، هو الذاكرة العالقة في لاشعور الإنسان، الذي يطفو إلى السطح أمام أول صدمة تستفزه لينسى ماضيه. استغرق خروج الفيلم إلى قاعات السينما وقتا طويلا كان كافيا لإثارة تساؤلات صحفية بشأن تمويله ومصيره، إلى أن جاء موعد عرضه السنة الآفلة، لينقل إلينا وجهة نظر حول المأساة الوطنية، أو باختصار مرحلة الإرهاب في الجزائر وتبعاتها الاجتماعية والثقافية على الأفراد. تعود “كريمة" في تسعينيات القرن العشرين، لحضور الأيام الأخيرة لوالدها المحتضر، مصورة فوتوغرافية مقيمة بإيطاليا، تكاشف أن ما ظنته زال مع الوقت، ما زال راسخا في ذاكرته بكل عطوره وألوانه وروائحه. يستعيد بن حاج، عبر كريمة، صور الفرار من القهر الأبوي، وينظر عبر عدستها إلى جزائر تغير شكلها، بعدما اجتاح الإرهاب أزقتها. اختيار المخرج أن تتجند كريمة في المسار المصالحاتي للرئيس بوتفليقة، “الأب الروحي للوئام المدني في الجزائر"، جلب له الكثير من الانتقاد والتهكم أيضا، إذ بات أكيدا أن هذا العمل الذي عانى التمويل طويلا، اختار “حزبه" الذي سيضمن له الدوام، إذ تكفلت وزارة الثقافة بترويجه في المحافل الدولية، وإعطاء الفرصة لمخرجها وطاقمه في الخارج. «يما» لجميلة صحراوي.. عودة الحديث عن العشرية الحمراء يعد عمل جميلة صحراوي، مخرجة وممثلة، العنوان العريض الذي تكتبه وزارة الثقافة، لتؤكد دينامية القطاع السينمائي منذ 2011 و2012، وترجمة صريحة لتصريحات خليدة تومي بخصوص دعم الدولة للفن السابع وعزمها على الاستعانة به لاستكمال مسيرة تلميع صورة الجزائر في الخارج.جولة “يما" عبر المهرجانات الدولية، منذ خروجه إلى القاعات، عرفت حصادا ثريا، وتنويهات مميزة بأسلوب المخرجة في التعاطي مع إشكالية الإرهاب. وعكس رشيد بن حاج، اختارت صحراوي خطابا معارضا لطرح المصالحة والوئام، عندما قررت في نهاية فيلمها أن تقتل ابنها الإرهابي وصديقه، ولتستمر “يما" في العيش براحة ضمير، إلى جانب قبر ابنها الضابط. ميزة هذا الفيلم، أنه منح للمتفرج الجزائر مساحة كبيرة لكتابة الحوار المناسب للسيناريو، لأنها مالت إلى الصمت وإلى صوت الريح يهب في أعلى الجبل حيث منزلها، وفتحت نوافذها لهبات الخوف والسكينة، لتزرع يوميا أحلامها وآمالها. العمل يختلف عن السائد، لكونه يترك للمشاهد سلطة الخيار، لا يضع أمام حلول سهلة، ويعيد فتح ملف العشرية الحمراء، بكل آلامها بعيدا عن خطابات السياسة واستراتيجية الدولة. «التائب» لمرزاق علواش.. الطيران خارج السرب أكد المخرج مرزاق علواش، السنة المنصرم، أنه رجل لا يبالي كثيرا بما يقال عنه، ولا يطيل الإصغاء للتعاليق التي غالبا ما تتهكم على خياراته وطريقته في إيجاد مسارات لإنتاج أفلامه بعيدا عن مزاج صندوق دعم الإنتاج السينمائي التابع للوزارة الوصية. مباشرة بعد “نورمال" صاحب جائزة أحسن فيلم عربي بمهرجان الدوحة 2011، لم ينتظر علواش طويلا ليكتب على الفيسبوك أنه مسافر إلى البيض، في عز البرد والثلج، برفقة مجموعته الفنية الشابة، على غرار عديلة بن ديمراد ونبيل عسلي، ليصور “التائب".خرج العمل إلى النور، وعرض بالعاصمة بقاعة ابن زيدون، أمام جمهور متعود على “السينما العلواشية"، ليكتشف أن مرزاق عاد هو الآخر إلى مسألة الإرهاب في الجزائر، وغاص على طريقته في تباين المواقف بين أفراد العائلة الواحدة، أو بين الأصدقاء، وكيف تفرق المعتقدات والقناعات الجماعة. لم ينتظر علواش الكثير، ليعلن أنه سيشارك في “نصف شهر المخرجين" على هامش مهرجان “كان" الدولي، وبعيدا عن الجناح الجزائري الرسمي برعاية الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، نال علواش الانتباه والإعجاب، ولم يتوقف إلا وهو في مواعيد أخرى مثل تورنتو، الدوحة، دبي، وقرطبة السينمائي بإسبانيا، حيث تحصل المخرج على جائزة التجربة السينمائية، في مهرجان قرطبة السينمائي بإسبانيا، نظير قضائه أربعين عاما وراء الكاميرا، يترصد تحولات المجتمع الجزائري. «فضل النهار على الليل».. أركادي وخضرة.. الإثارة التاريخية؟ كاد الجمهور يصدق التناغم الذي حدث بين المخرج ألكسندر أركادي والروائي ياسمينة خضرة، حينما أعلنا أن سيناريو فيلم “فضل النهار على الليل"، احترم ما جاء في النص الأصلي. وقد اجتهد أركادي طيلة ساعتين من الزمن، في تدوين رحلة رومانسية تشبه الأفلام الهوليوودية في الستينيات، مستعملا تقنيات متعددة في الإخراج، كالفلاش باك والتركيب المتقطع للأحداث والدمج، لولا خرجة المؤلف خضرة، الأخيرة التي قال فيها إنه ليس مسؤولا على كل ما جاء في ذلك الفيلم، علما أن العمل أثار قراءات معددة خاصة ما تعلق بدور المعمّرين والأقدام السوداء في الجزائر، وتأكيد علاقة الصداقة بين هؤلاء والجزائريين، وإظهار عمليات سلب ونهب الأراضي ليس من قبل فرنسا الاستعمارية بل من قبل الجزائريين أنفسهم، فعلق البعض أن هذا الفيلم جاء ليبين بعد خمسين عاما “فضل الأقدام السوداء على الجزائريين" في قراءة مستفزة منهم في عنوان العمل الأدبي والسينمائي، وهي القراءة التي رفضها الروائي رفضا قاطعا. «كامرأة فقط».. بوشارب... الغربة أمريكا والإسلاموفوبيا حقق رشيد بوشارب رهانه الذي رفعه بمجرد اتخاذه قرار مغادرة الأراضي الفرنسية باتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما أخرج فيلمه التلفزيوني “كامرأة فقط" الذي شهدت الجزائر عرضه الأول بمناسبة أيام الجزائر السينمائية، ثم في مهرجان وهران للسينما نهاية ديسمبر 2012. وكأن بوشارب قرر أن يغسل يديه من كل ما هو فرنسي، بعد أن خاب ظنه في هذا البلد، بعد مغامرة “الخارجون عن القانون". فنقل إلينا نموذجا آخر من المغتربين الجزائريين، ليس في المتربول التقليدي، وإنما في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث تتصادم الطموحات بنزعات العنصرية القائمة على الدين واللون والسياسة أيضا. اكتفى بوشارب بوجه جزائري واحد في عمله “الهوليوودي" الجديد، شافية بودراع عميدة الممثلات الجزائريات، وفي المقابل رشدي زام المغربي، والهندية غولشيفث فرحاني وأخرى من أمريكا نفسها. الأفلام القصيرة.. مشتلة سينما الغد تعد 2012 سنة إضافية أثبت فيه السينمائيون الشباب، قدرتهم على صياغة الحكاية السينمائية بطريقتهم المختلفة عن المعهود. جيل صاعد من عشاق الفن السابع، أكدوا حضورهم في الساحة الدولية في صنف الفيلم القصير، ونجحوا في إثبات وجود خلفاء صاعدون للشاشة الكبيرة الجزائرية، متفتحين على جديد العالم.خرجت الجزائر من السنة المنتهية، بعملين قصيرين “LE HUBLO" أو “النافذة" للكاتب الصحفي أنيس جعاد، و"الجزيرة" لأمين سيدي بومدين، وجهان حفظا وجه الجزائر في الخارج، وكلما عرضا أفلامهما حصدا جوائز في أبي ظبي. الملفت أن هذا الجيل (على شاكلة عبد النور زحزاح، زكريا سعيداني، أمينة كسار، ياسمين شويخ، مؤنس خمار...) لا يبحث عن قصص معقدة، واختار أن يروي حكايات بسيطة، تشبه الشارع الجزائري، الذي يؤكد في كل مرة أانه لم يعد يرى نفسه لا في التلفزيون ولا السينما. تناول جعاد في “النافذة" قصة “عادل" و"وليد" شابين جزائريين يعيشان مللا يوميا بسبب البطالة وقلة الحال، يحلمان وهما يطلان على مدينتهم من الأعلى، بالسفر بعيدا في أحد البواخر الراسية في الميناء. أما “جزيرة" أمين سيدي بومدين، فهي محطة ثانية لهذا السينمائي الموهوب، بعد “الجزائر.. غدا"، ويحكي فيها مدينة الجزائر من وجهة نظره الواقعية والخيالية في آن واحد. يتخيل العاصمة واسمها القديم الجزيرة، وهي فارغة من زحمة الناس والفوضى، وكأنها إعادة بناء مدينة على أسلوب حضاري مغاير بعيدا عن الخلطة الغريبة التي تصحو فيها كل يوم.