كشفت دراسة أعدها المركز الطبي الوقائي الجامعي، بعميروش، إصابة 57 % من الطلبة بأمراض الجهاز الهضمي و25 % منهم بمرض فقر الدم، وذلك نتيجة اختلال التوازن الغذائي لافتقار الوجبات الغذائية المقدمة لهم على مستوى الإقامات الجامعية للقيمة الغذائية، وغياب معايير وشروط النظافة، إلى جانب عدم احترام معايير حفظ المواد الغذائية. تبين هذه الدراسة، التي أجريت على عينة من الطلبة المسجلين بمؤسسات التعليم العالي التابعة لمقاطعة -الجزائر وسط- الأمراض الناتجة عن اختلال التوازن الغذائي التي تم تسجيلها، منذ بداية السنة الجامعية الماضية، بسبب رداءة الوجبات المقدمة للطلبة على مستوى مطاعم الإقامات الجامعية، ما دفع المختصون والأطباء لمطالبة الديوان الوطني للخدمات الجامعية بتحسين الوجبة الغذائية المقدمة للطلبة كما ونوعا، واستنادا إلى نتائج هذه الدراسة التي تشير إلى تدهور الوضع الصحي للطالب وانتشار أمراض خطيرة يؤدي التماطل في علاج أغلبها إلى تعقيد الوضع أكثر، يصل في أحيان كثيرة إلى الوفاة. وتؤكد هذه الدراسة التي تقدر عينة البحث فيها ب 1500 طالب -من أصل مجتمع بحث يقدر تعداده ب 24 ألف طالب- خضعوا إلى فحوصات طبية بالمركز، إصابة 57 بالمائة من الطلبة بمختلف أمراض الجهاز الهضمي على غرار القولون العصبي، الإسهال الحاد، الإمساك، القرحة المعدية، التهاب المعدة والأمعاء... الخ، التي تؤثر على وظيفة الجهاز الهضمي، وهو ما يعني أنه يوجد من الطلبة المصابين بهذه الأمراض بسبب الوجبات الغذائية غير صحية التي يتناولونها، وتم تسجيل إصابة 25 بالمائة من الطلبة بمرض فقر الدم بسبب سوء التغذية، نظرا لافتقار الوجبة للقيمة الغذائية التى تلبي حاجة الجسم من بروتينات وتركيبة الفيتامينات الضرورية، وتمثل نسبة الطلبة المصابين بمرض السكري المؤدي إلى السمنة المفرطة واضطرابات القلب 3.5 بالمائة. هذا وحذرت الطبيبة المنسقة للصحة الجامعية التابعة إلى مؤسسة الصحة الجوارية لسيدي أمحمد، ليلى بولعراس، من تفاقم هذه الأمراض وتوسع انتشارها في أوساط الطلبة، نظرا لتظافر عدة عوامل من بينها افتقار الوجبة الغذائية المقدمة للطالب للقيمة الحقيقية التي تسد حاجات الجسم اليومية من الفيتامينات والمواد الضرورية لتقوية بنيته، غياب الوعي لدى الطلبة بأهمية اعتماد ثقافة استهلاكية صحية والتكامل بين المواد الغذائية التي يتناولها وهذا العامل الذي تتحكم فيه في أغلب الأحيان الظروف الاجتماعية للطالب إلى جانب الامكانيات المادية، ففي هذه الحالة لا يستطيع الطالب إحداث توزان غذائي، خاصة وأن 46.5 بالمائة من الطلبة مصدر تغذيتهم الأساسي هو المطاعم الجامعية، و7.5 بالمائة يلجأون إلى تحضير وجباتهم داخل غرف الإقامة، في ظل غياب شروط النظافة وعدم احترام معايير الحفظ في هذه المطاعم. ومن بين النتائج التي توصلت إليها الدراسة أن الوجبة الغذائية للطالب تفتقر لعناصر غذائية عدة منها الكالسيوم، الفيتامينات الموجودة في الخضر والفواكه، بالتالي يلجأ الطالب إلى استهلاك المواد الغنية بالمواد الدسمة والسكريات والأملاح، حيث أن 92 بالمائة من الطلبة يلتحقون بالجامعة دون فطور الصباح، وهذا الأمر وصفته المختصة ب “الخطير" نظرا لانتشار هذه الأمراض، كما أن للعادات الغذائية السلبية المكتسبة من الوسط العائلي دورا في انتشار مثل هذه الأمراض. فيما يتعلق بالصحة النفسية للطالب، توضح نتائج هذه الدراسة أن 52 بالمائة منهم يعانون من اضطرابات نفسية، وذلك استنادا إلى نتائج المعاينة الطبية للمختصين في هذا المجال، حيث تؤكد الطبيبة ليلى بولعراس، أن القلق، الضغط النفسي، الاكتئاب الحاد، انعدام الثقة في النفس، الأكثر انتشارا في وسط الطلبة، وتعود أسباب هذه الاضطرابات النفسية إلى صعوبات التكيف في الوسط الجامعي بعد الانقطاع عن العائلة، الخوف من تحمل المسؤولية وتولي زمام الأمور المادية، الخلافات التي تقع بين الطلبة بسب اختلاف الذهنيات بين المقيمين في غرفة واحدة والجمع بين طلبة من مختلف المناطق. يحدث هذا، في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد الوضعيات في بعض الإقامات الجامعية ال 4 وضعيات في الغرفة الواحدة. تؤكد المختصة في جراحة الأسنان، لبيك فتيحة، أن نسبة 91 بالمائة من الطلبة تعاني من تسوس الأسنان الذي وصل إلى درجة متقدمة تستدعي التخلص من السن المصاب، في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون أسنان الشخص البالغ 23 سنة أو أكثر بقليل، في حالة جيدة، وتعود أسباب ذلك، حسب المتحدثة، إلى جهل أغلبهم الطريقة السليمة لغسل الأسنان والاعتناء بها ووقايتها من الأمراض، ولا مبالاتهم بضرورة التنظيف. موازاة مع ذلك لا تسمح إمكانيات هذا المركز بالتكفل بكل الطلبة الذين يعانون من مشاكل في الأسنان، الأمر الذي يدفعهم إلى تمديد فترة المعاينة والمتابعة التي تحتاج إلى حصص متعددة لعدة أشهر، وطالبت المتحدثة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتوفير التجهيزات اللازمة للتكفل بالطلبة. تقدر الميزانية السنوية التي تخصصها الدولة لقطاع الخدمات الجامعية، المقتطعة من ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ب 111 مليار دج، حسب ما أكدته مصادر مطلعة ل “الجزائر نيوز"، حيث تخصص نسبة 30 بالمائة منها فقط لخدمة الإطعام، لأن النسبة الأكبر من هذه الميزانية توجه لدفع مستحقات العمال، منح الطلبة وتجهيز الهياكل، ليتم تقسيم ما تبقى منها على خدمة الإطعام والنقل، وبالرغم من المبالغ المالية المخصصة إلا أن خدمة الإطعام عبر الإقامات الجامعية متدنية، ولطالما كانت هذه المطاعم مصدرا للتسممات الغذائية، ولعل تقارير التنظيمات الطلابية تعكس مستوى التدني الذي وصلت إليه هذه الخدمة التي شكل مطلب تحسينها كما ونوعا أحد أبرز المطالب الاحتجاجية التي يرفعها الطلبة في كل مرة. وإذا كشفت هذه الدراسة التي شملت الطلبة المسجلين بمؤسسات التعليم العالي بالجزائر وسط وأثبتت وجود مثل هذه الأمراض، فإن ما خفي كان أعظم في ظل اختلال توازن التغطية الصحية التي توفرها مثل هذه المراكز الطبية الوقائية الجامعية بين مختلف الولايات، علما أنها تنعدم تماما في الولايات الداخلية، حسب رؤساء فروع عدد من التنظيمات الطلابية.