احتضن المسرح الجهوي كاتب ياسين بتيزي وزو، مساء أول أمس، العرض العام لمسرحية “الأرض والدم" التي تتناول خصوصيات المجتمع بمنطقة القبائل بداية من الوراثة وقيمة الأرض مرورا بالزواج والقيم الاجتماعية وأهمية إنجاب الأولاد وصولا إلى الدفاع عن الشرف والثأر. مسرحية “الأرض والدم"، إنتاج مسرحي جديد للمسرح الجهوي كاتب ياسين، أخرجها المسرحي حمة مليانة، واقتبسها محمد زميش من رواية الكاتب مولود فرعون، وتم عرضها في الذكرى ال51 لاغتياله أي في ال 15 مارس 1962. تتكون المسرحية التي قدمت بالعربية الدارجة من 12 مشهدا، وتحمل دقة في التصوير والغوص في أعماق المشاعر الإنسانية ونمط تفاعلها مع البيئة الاجتماعية، وقدمت في ديكور مميز يترجم بيئة منطقة القبائل في العادات والتقاليد والألوان واللباس ونمط العيش في القرى والجبال، حيث تعددت وتنوعت الفضاءات بين المنزل التقليدي وساحة القرية والحقل والطبيعة. تروي المسرحية قصة “عامر"، شاب من قرية متواجدة بمنطقة القبائل، يقرر الهجرة إلى فرنسا بحثا عن حياة أفضل بهدف كسب المال وسد حاجيات عائلته المعوزة وهروبا من معاناة قريته التي يسودها الفقر والتخلف. استطاع عامر أن يحصل على منصب شغل في منجم للفحم رفقة ابن عمه المدعو “رابح"، لكن هذا الأخير يتعرض لعملية اغتيال داخل المنجم من طرف الفرنسيين وتلصق التهمة إلى عامر. لم يجد عامر أية طريقة لتأكيد براءته، حيث تزوج بالفتاة “ماري" وهي ابنة رابح المغتال، قرر العودة إلى أرض الوطن بعدما جمع ثروة معتبرة. لم يكن عامر يعتقد أن عودته إلى أرض أجداده بمنطقة القبائل تخفي له معاناة وآلام ومشاكل اجتماعية كثيرة، خصوصا أن ابن عمه سليمان كان قد عهد بالثأر لاغتيال شقيقه رابح، حيث اصطدم عامر بمأساة تعكس جانبا حيا من العادات السائدة بمنطقة القبائل التي تقدس من جهة الثأر ومن جهة أخرى تؤكد مدى أهمية الإنجاب من طرف الأزواج للطموح في الحصول على ميراث العائلة والحفاظ على استمراريتها. أظهرت المسرحية أن اعتقادا سائدا في المنطقة يقول إنه “لا توجد مصيبة أشد من الموت دون ترك ورثة"، وهذا ينقل القيمة الحقيقية التي يعطيها سكان منطقة القبائل للأرض والوراثة. الوالدة “كمومة" لم تتقبل زواج ابنها عامر من “ماري" التي كان الكل يعتقد أنها فرنسية ويجهلون أنها ابنة رابح. كانت تحلم أن تزوجه بفتاة من القرية، واصطدمت الوالدة بمعرفتها بمدة زواج ابنها وماري التي تزيد عن سبع سنوات دون إنجاب أطفال، وهو ما يرهن ميراث العائلة والخوف من ضياع كل شيء. وللتخلص من هذا المصير الذي لا تحسد عليه، فإن النساء العاقرات على غرار شخصية “حمامة" في المسرحية يلجأن إلى تزويج أزواجهن مرة ثانية بغرض إنجاب طفل يضمن استمرار تواجد العائلة، حيث جسدت المسرحية المشاكل العائلية القائمة بين الزوجتين والصراع حول كسب قلب الرجل، ودائما تكون إحداهن المسيطرة على الوضع. استغل عامر ثروته التي صنعها في المهجر لشراء الأراضي التي باعها والده، وهو الوضع الذي خلق قلقا وسخطا لدى العائلة الكبيرة التي كانت تأمل في الميراث ولدى بعض الحاقدين في القرية، لكن عامر لم يفلح في تجنب الوقوع في الفخ الذي نصبته له والدته وحماة ابن عمه سليمان (عاقر)، وهذا حتى تكون لعامر علاقة حميمية وجنسية مع زوجة سليمان التي تدعى “شابحة" بهدف إنجاب طفل يرث العائلة، خصوصا وأن زوجة عامر “ماري" كان الكل يعتقد أنها عاقر. وسرعان ما يكتشف أهل القرية وسليمان الفضيحة الأخلاقية التي وقع فيها عامر الذي مارس الجنس في ليلة مظلمة وباردة مع شابحة، وما خلفه ذلك من المساس بشرف العائلة وبأهل المنطقة بأكملها وكان الثأر سيد الموقف، حيث أقدم سليمان على قتل عامر ببندقية وأطلق رصاصة أخرى على نفسه كطريقة للهروب من الفضيحة وكلام الناس. لكن المفاجأة كانت في اليوم الموالي خلال نقل جثمان عامر وسليمان، حيث فاجأت “ماري" الجميع برمي حزامها على الصندوق وهي طريقة قبائلية معروفة لتطلع العائلة وسكان القرية بأنها حامل وأن خلافة عامر مضمونة، اكتشف الكل أنها ابنة رابح وأنها من العائلة وليست فرنسية، وهو الخبر الذي أنسى الوالدة “كمومة" حزن اغتيال ابنها وكانت على شغف انتظار مولود يرث العائلة.